الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الفصل في الملل والنحل **
قال أبو محمد رحمه الله: هذا الباب هو أصل ضلالة المعتزلة نعوذ بالله من ذلك على أننا رأينا منهم من لا يرضى عن قولهم فيه. قال أبو محمد: وذلك أن جمهورهم قالوا وجدنا من فعل الجور في الشاهد كان جائراً ومن فعل الظلم كان ظالماً ومن أعان فاعلاً على فعله ثم عاقبه عليه كان جائراً عابثاً قالوا والعدل من صفات الله تعالى والظلم والجور منفيان عنه قال تعالى: " قال أبو محمد: وقد علم المسلمون أن الله تعالى عدل لا يجور ولا يظلم ومن وصفه عز وجل بالظلم والجور فهو كافر ولكن ليس هذا على ما ظنه الجهال من أن عقولهم حاكمة على الله تعالى في أن لا يحسن منه إلا ما حسنت عقولهم وأنه يقبح منه تعالى ما قبحت عقولهم وهذا هو تشبيه مجرد لله تعالى بخلقه إذ حكموا عليه بأنه تعالى يحسن منه ما حسن منا ويقبح منه ما قبح منا ويحكم عليه في العقل بما يحكم علينا. قال أبو محمد: وهذا مذهب يلزم كل من قال لما كان الحي في الشاهد لا يكون إلا بحياة وجب أن يكون الباري تعالى حياً بحياة وليس بين القولين فرق وكلاهما لازم لمن التزم أحدهما وكلاهما ضلال وخطأ وإنما الحق هو أن كل ما فعله الله عز وجل أي شيء كان فهو منه عز وجل حق وعدل وحكمة وإن كان بعض ذلك منا جوراً وسفهاً وكل ما لم يفعله الله عز وجل فهو الظلم والباطل والعبث والتفاوت وأما أجراؤهم الحكم على البارئ تعالى بمثل ما يحكم به بعضنا على بعض فضلال بين وقول سبق له أصل عند الدهرية وعند المنانية وعند البراهمة وهو أن الدهرية قالت لما وجدنا الحليم فيما بينا لا يفعل إلا لاجتلاب منفعة أو لدفع مضرة ووجدنا من فعله ما لا فائدة فيه فهو عابث هذا الشيء لا يعقل غيره قالوا ولما وجدنا في العالم ضراً وشراً وعبثاً وأقذاراً ودوداً وذباباً ومفسدين انتفى بذلك أن يكون له فاعل حكيم وقالت طائفة منهم مثل هذا سواء بسواء إلا أنهم زادوا فقالوا علمنا بذلك أن للعالم فاعلاً سفيهاً غير الباري تعالى وهو النفس وأن الباري الحكيم خلاها تفعل ذلك ليريها فساد ما تخيلته فإذا استبان ذلك لها أفسده الباري الحكيم تعالى حينئذ وأبطله ولم تعد النفس إلى فعل شيء بعدها. قال أبو محمد: وأبطال هذا القول يثبت ما يبطل به قول المعتزلة سواء بسواء ولا فرق وقالت المنانية بمثل ما قالت الدهرية سواء بسواء إلا أنها قالت ومن خلق خلقاً ثم خلق من يضل ذلك فهو ظالم عابث ومن خلق خلقاً ثم سلط بعضهم على بعض وأغرى بين طائع خلقه فهو ظالم عابث قالوا فعلمنا أن خالق الشر وفاعله هو غير خالق الخير. قال أبو محمد: وهذا نص قول المعتزلة إلا أنها زادت قبحاً بأن قالت أن الله تعالى لم يخلق من أفعال لا خيراً ولا شراً وأن خالق الأفعال الحسنة والقبيحة هو غير الله تعالى لكن كل أحد يخلق فعل نفسه ثم زادت تناقضاً فقالت أن خالق عنصر الشر هو إبليس ومردة الشياطين وفعله كل شر وخالق طباعهم على تضادها هو الله تعالى وقالت البراهمة أن من العبث وخلاف الحكمة ومن الجور البين أن يعرض الله تعالى لما يعلم انهم يعطبون عنده ويستحقون العذاب أن وقعوا فيه يريدون بذلك إبطال الرسالة والنبوات كلها. قال أبو محمد: وبالضرورة تعلم أنه لا فرق بين خلق الشر وبين خلق القوة التي لا يكون الشر إلا بها ولا بين ذلك وبين خلق من علم الله عز وجل أنه لا يفعل إلا الشر وبين خلق إبليس وأنظاره إلى يوم القيامة وتسليطه على إغواء العباد وإضلالهم وتقويته على ذلك وتركهم يضلهم إلا من عصم الله منهم فإن قالوا أن خلق الله تعالى إبليس وقوى الشر وفاعل الشر خير وعدل وحسن صدقوا وتركوا أصلهم الفاسد ولزمهم الرجوع إلى الحق في أن خلقه تعالى للشر والخير ولجميع أفعال عباده وتعذيبه من شاء منهم ممن لم يهده وإضلاله من أضله وهداه من هدى كل ذلك حق وعدل وحسن وإن أحكامنا غير جارية عليه لكن أحكامه جارية علينا وهذا هو الحق الذي لا يخفى إلا على من أضله الله تعالى نعوذ بالله من إضلاله لنا ولا فرق بين شيء مما ذكرناه في العقل البتة وبرهان ضروري. قال أبو محمد: يقال لمن قال لا يجوز أن يفعل الله تعالى إلا ما هو حسن في العقل منا ولا أن يخلق ويفعل ما هو قبيح في العقل في ما بينا منا يا هؤلاء إنكم أخذتم الأمر من عند أنفسكم ثم عكستموه فمعظم غلطكم وإنما الواجب إذ أنتم مقرون بأن الله تعالى لم يزل واحداً وحده ليس معه خلق أصلاً ولا شيء موجود لا جسم ولا عرض ولا جوهر ولا عقل ولا معقول ولا سفه ولا غير ذلك ثم أقررتم بلا خلاف منكم انه خلق النفوس وأحدثها بعد ان لم تكن وخلق لها العقول وركبها في النفوس بعد ان لم تكن العقول البتة أن لا تحدثوا على الباري تعالى حكماً لازماً له من قبل بعض خلقه فليس في الجنون أفحش من هذا البتة ثم أخبرونا إذا كان الله وحده لا شيء موجود معه ففي أي شيء كانت صورة الحسن حسنة وصورة القبيح قبيحة وليس هنالك عقل أصلاً يكون فيه الحسن حسناً والقبيح قبيحاً ولا كانت هنالك نفس عاقلة أو غير عاقلة فيقبح عندها القبيح ويحسن الحسن فبأي شيء قام تحسين الحسن وتقبيح القبيح وهما عرضان لا بد لهما من حامل ولا حمل أصلاً ولا محمول ولا شيء حسن ولا شيء قبيح حتى أحدث الله تعالى النفوس وركب فيها العقول المخلوقة وقبح فيها على قولكم ما قبح وحسن فيها على قولكم ما حسن فإذ لا سبيل إلى أن يكون مع الباري تعالى في الأزل شيء موجود أصلاً قبيح ولا حسن ولا عقل يقبح فيه شيء أو يحسن فقد وجب يقيناً ألا يمتنع من قدرة الله تعالى وفعله شيء يحدثه لقبح فيه ووجب ألا يلزمه تعالى شيء لحسنه إذ لا قبح ولا حسن البتة فيما لم يزل فبالضرورة وجب أن ما هو الآن عندنا قبيح فإنه لم يقبح بلا أول بل كان لقبحه أول لم يكن موجوداً قبله فكيف أن يكون قبيحاً قبله وكذلك القول في الحسن ولا فرق ومن المحال الممتنع جملة أن يكون ممكناً أن يفعل الباري تعالى حينئذ شيئاً ثم يمتنع منه فعله بعد ذلك لأن هذا يوجب إما تبدل طبيعة والله تعالى منزه عن ذلك وأما حدوث حكم عليه فيكون تعالى متعبداً وهذا هو الكفر السخيف نعوذ بالله منه فإن قالوا لم يزل القبيح قبيحاً في علم الله عز وجل ولم يزل الحسن حسناً في علمه تعالى قلنا لهم هبكم أن هذا كما قلتم فعليكم في هذا حكمان مبطلان لقولكم الفاسد أحدهما أنكم جعلتم الحكم في ذلك لما في المعقول لا لما سبق في علم الله عز وجل فلم تجعلوا المنع من فعل ما هو قبيح عندكم ألا لأن العقول قبحته فأخطأتم في هذا والثاني أنه تعالى أيضاً لم يزل يعلم أن الذي يموت مؤمناً فإنه لا يكفر ولم يزل تعالى يعلم أن الذي يموت كافراً لا يؤمن فلم جوزتم قدرته على إحالة ما علم من ذلك وتبديله ولم تجوزوا قدرته تعالى على إحالة ما علم حسناً إلى القبح وإحالة ما علم قبيحاً إلى الحسن ولا فرق بين الأمرين أصلاً فإذا ثبت ضرورة أنه لا قبح لعينه ولا حسن لعينه البتة وانه لا قبيح إلا ما حكم الله تعالى بأنه قبيح ولا حسن إلا ما حكم بأنه حسن ولا مزيد وأيضاً فإن دعواكم أن القبيح لم يزل قبيحاً في علم الله تعالى ما دليلكم على هذا بل لعله تعالى لم يزل عليماً بأن أمر كذا يكون حسناً برهة من الدهر ثم يقبحه فيصير قبيحاً إذا قبحه لا قبل ذلك كما فعل تعالى بجميع الملل المنسوخة وهذا أصح من قولكم لظهور براهين هذا القول وبالله التوفيق ولم يزل سبحانه وتعالى عليماً أن عقد الكفر والقول به قبيح من العبد إذاً فعلهما معتقداً لهما لأن الله قبحهما لا لأنهما حركة أو عرض في النفس وهذا هو الحق لظهور براهين هذا أيضاً لا لأن ذلك قبيح لعينه ويقال لهم أيضاً أخبرونا من حسن الحسن في العقول ومن قبح القبح في العقول فإن قالوا الله عز وجل قلنا لهم أفكان الله تعالى قادر على عكس تلك الرتبة إذ رتبها على أن يرتبها بخلاف ما رتبها عليه فيحسن فيها القبيح ويقبح فيها الحسن فإن قالوا نعم أوجبوا أنه لم يقبح شيء إلا بعد ان حكم الله تعالى بقبحه ولم يحسن شيء إلا بعد ان حكم الله تعالى بحسنه وأنه كان له تعالى أن يفعل بخلاف ما فعل وله ذلك الآن وأبداً وبطل أن يكون تعالى متعبداً لنفسه وموجباً عليه ما يكون ظالماً مذموماً إن خالفه وإن قالوا لا يوصف تعالى بالقدرة على ذلك عجزوا ربهم تعالى ولزمهم القول بمثل قول علي الأسواري من أنه تعالى لا يقدر على غير ما فعل فحكم هذا الردي الدين والعقل بأنه أقدر من ربه تعالى وأقوى لأنه عند نفسه الخسيسة يقدر على ما فعل وعلى ما لم يفعل وربه تعالى لا يقدر إلا على ما فعل ولو علم المجنون أنه جعل ربه من الجمادات المضطرة إلى ما يبدو منها ولا يمكن أن يظهر منها غير ما يظهر لسخنت عينه ولطال عويله على عظيم مصيبته نعوذ بالله من الخذلان ومن عظم ما حل بالقدرية المتنطعين بالجهل والعمى والحمد لله على توفيقه إيانا حمداً كثيراً كما هو أهله. قال أبو محمد: ويقال لهم هبكم شنعتم في القبيح بأنه قبيح فلم نفيتم عن الله عز وجل خلق الخير كله وخلق الحسن كله فقلتم لم يخلق الله تعالى الإيمان ولا الإسلام ولا الصلاة ولا الزكاة ولا النية الحسنة ولا اعتقاد الخير ولا إيتاء الزكاة ولا الصدقة ولا البر لأن خلق هذا قبيح أم كيف الأمر فبأن تمويهكم بذكر خلق الشر وأنتم قد استوى عندكم الخير والشر في أن الله تعالى لم قال أبو محمد: وقرأت في مسائل لأبي هشام عبد السلام ابن أبي علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي رئيس المعتزلة وابن رئيسهم كلاماً له يردد فيه كثيراً دون حياء ولا رقبة يجب على الله أن يفعل كذا كأنه المجنون يخبر عن نفسه أو عن رجل من عرض الناس فليت شعري أما كان له عقل أو حس يسائل به نفسه فيقول ليت شعري من أوجب على الله تعالى هذا الذي قضى بوجوبه عليه ولا بد لكل وجوب وإيجاب من موجب ضرورة وإلا كان يكون فعلاً لا فاعل له وهذا أكفر مما أجازه فمن هذا الموجب على الله تعالى حكماً ما وهذا لا يخلو ضرورة من أحد وجهين لا ثالث لهما إما أن يكون أوجبه الله عليه بعض خلقه أما العقل وأما العاقل فإن كان هذا فقد رفع القلم عنه وأف لكل عقل يقوم فيه أنه حاكم على خالقه ومحدثه بعد أن لم يكن ومرتبه على ما هو عليه ومصرفه على ما يشاء وإما أن يكون تعالى أوجب ذلك على نفسه بعد أن لم يزل غير موجب له على نفسه فإن قال بهذا قيل له فقد كان غير واجب عليه حتى أوجبه فإذ هو كذلك فقد كان مباحاً له أن يعذب من لم يقدره على ترك ما عذبه عليه وعلى خلاف سائر ما ذكرت أنه أوجبه على نفسه وإذا أوجب ذلك على نفسه بعد أن لم يكن واجباً عليه فممكن له أن يسقط ذلك الوجوب عن نفسه وإما أن يكون تعالى لم يزل موجباً ذلك على نفسه فإن قال بهذا لزمته عظيمتان مخرجتان له عن الإسلام وعن جميع الشرائع وهما أن الباري تعالى لم يزل فاعلاً ولم يزل فعله معه لأن الإيجاب فعل ومن لم يزل موجباً فلم يزل فاعلاً وهذا قول أهل الدهر نفسه. قال أبو محمد: ولا بمانع بين جميع المعتزلة في إطلاق هذا الجنون من أنه يجب على الله أن يفعل كذا ويلزمه ان يفعل كذا فأعجبوا لهذا الكفر المحض وبهذا يلوح بطلان ما يتأولونه في قول الله تعالى: " قال أبو محمد: والقول الصحيح هو أن العقل الصحيح يعرف بصحته ضرورة أن الله تعالى حاكم على كل ما دونه وأنه تعالى غير محكوم عليه وأن كل ما سواه تعالى فمخلوق له عز وجل كان جوهراً حاملاً أو عرضاً محمولاً لا خالق سواه وأنه يعذب من يشاء أن يعذبه ويرحم من يشاء أن يرحمه وأنه لا يلزم أحداً إلا ما ألزمه الله عز وجل ولا قبيح إلا ما قبح الله ولا حسن إلا ما حسن الله وأنه لا يلزم لأحد على الله تعالى حق ولا حجة ولله تعالى على كل من دونه وما دونه الحق الواجب والحجة البالغة لو عذب المطيعين والملائكة والأنبياء في النار مخلدين لكان ذلك له ولكان عدلاً وحقاً منه ولو نعم إبليس والكفار في الجنة مخلدين كان ذلك له وكان حقاً وعدلاً منه وإن كل ذلك إذ أباه الله تعالى وأخبر أنه لا يفعله صار باطلاً وجوراً وظلماً وأنه لا يهتدي أحد إلا من هداه الله عز وجل ولا يضل أحد إلا أضله الله عز وجل ولا يكون في العالم إلا ما أراده الله عز وجل كونه من خير أو شر وغير ذلك وما لم يرد عز وجل كونه فلا يكون البتة وبالله تعالى التوفيق ونحن نجد الحيوان لا يسمى عدوان بعضها على بعض قبيحاً ولا ظلماً ولا يلام على ذلك ولا يلام على من ربى شيئاً منها على العدوان عليها فلو كان هذا النوع قبيحاً لعينه وظلماً لعينه لقبح متى وجد فلما لم يكن كذلك صح أنه لا يقبح شيء لعينه البتة لكن إذا قبحه الله عز وجل فقط فإذا قد بطل قولهم بالبرهان الكلي الجامع لأصلهم الفاسد فلنقل بحول الله تعالى وقوته في إبطال أجزاء مسائلهم وبالله تعالى نستعين فأول ذلك أن نسألهم فنقول عرفونا ما هذا القبيح في العقل أعلى الإطلاق فقال قائلون من زعمائهم منهم الحارث بن علي الوراق البغدادي وعبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي البلخي وغيرهما أن كل شيء حسن بوجه ما قلت يمتنع وقوع مثله من الله تعالى لأنه حينئذ يكون حسناً إذ ليس قبيحاً البتة على كل حال وأما ما كان قبيحاً على كل حال فلا يحسن البتة فهذا منفي عن الله عز وجل أبداً قالوا ومن القبيح على كل حال أن تفعل بغيرك وما لا تريد أن يفعل بك وتكليف ما لا يطاق ثم التعذيب عليه. قال أبو محمد: وظن هؤلاء المبطلون إذ أتوا بهذه الحماقة أنهم أغربوا وقرطسوا وهم بالحقيقة وقد هذوا وهدروا وهذا عين الخطاء وإنما قبح بعض هذا النوع إذ قبحه الله عز وجل وحسن بعضه إذ حسنه الله عز وجل والعجب من مباهتتهم في دعواهم ان المحاباة ظلم ولا ندري في أي شريعة أم في أي عقل وجدوا أن المحاباة ظلم وأن الله تعالى قد أباحها إلا حيث شاء وذلك أن للرجل أن ينكح امرأتين وثلاثاً وأربعاً من الزوجات وذلك له مباح حسن وأن يطأ من إمائه أي عدد أحب وذلك له مباح حسن ولا يحل للمرأة أن تنكح غير واحد ولا يكون عبدها وهذا منه حسن وبالضرورة ندري أن في قلوبهن من الغيرة كما في قلوبنا وهذا محظور في شريعة غيرنا والنفار منه موجود في بعض الحيوان بالطبع والحر المسلم ملكه أن يستعبد أخاه المسلم ولعله عند الله تعالى خير من سيده في دينه وفي أخلاقه وقنوته ويبيعه ويهبه ويستخدمه ولا يجوز ان يستعبده هو أحد لا عبده ذلك ولا غيره وهذا منه حسن وقد أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه المقدسة ما أكرمه الله تعالى به من أن لا ينكح أحد من بعده من نسائه أمهاتنا رضوان الله عليهن وأحب هو عليه السلام نكاح من نكح من النساء بعد أزواجهن وكل ذلك حسن جميل الصواب ولو أحب ذلك غيره كان مخطي الإرادة قبيحاً ظالماً ومثل هذا أن تتبع كثير جداً إذ هو فاش في العالم وفي أكثر الشريعة فبطل هذا القول الفاسد منهم وقد نص الله تعالى على إباحة ما ليس عدلاً عند المعتزلة بل على الإطلاق وعلى المحاباة حيث شاء وكل ذلك عدل منه قال عز وجل: " قال أبو محمد: وكلتا الدعويين على العقول كاذبة وقد بينا في ما سلف من كتابنا هذا غلط من ادعى في العقل ما ليس فيه وبينا أن العقل لا يحكم به على الله الذي خلق العقل ورتبه على ما هو به ولا مزيد وبالله تعالى التوفيق وقال بعض المعتزلة أن من القبيح بكل حال والمحظور في العقل بكل وجه كفر نعمة المنعم وعقوق الأب. قال أبو محمد: وهذا غاية الخطأ لأن العاقل المميز بالأمور إذا تدبرها علم يقيناً أنه لا منعم على أحد إلا الله وحده لا شريك له الذي أوجده من عدم ثم جعل له الحواس والتمييز وسخر له ما في الأرض و كثيراً مما في السماء وخوله المال وإن كل منعم دون الله عز وجل فإن كان منعماً بمال فإنما أعطى من مال الله عز وجل فالنعمة لله عز وجل دونه وإن كان ممرضاً أو معتقاً أو خائفاً من مكروه فإنما صرف في ذلك كلما وهبه الله عز وجل من الكلام والقوة والحواس والأعضاء وإنما تصرف بكل ذلك في ملك الله عز وجل وفيما هو تعالى أولى به منه فالنعمة لله عز وجل دونه فالله تعالى هو ولي كل نعمة فإذ لا شك في ذلك فلا منعم إلا من سماه الله تعالى منعماً ولا يجب شكر منعم إلا بعد أن يوجب لله تعالى شكره فحينئذ يجب وإلا فلا ويكون حينئذ من لم يشكره عاصياً فاسقاً أتى كبيرة لخلاف أمر الله تعالى بذلك فقط ولا فرق بين تولدنا من مني أبوينا وبين تولدنا من التراب الأرضي ولا خلاف في أنه لا يلزمنا بر التراب ولا له علينا حق ليس ذلك إلا لأن الله تعالى لم يجعل له علينا حقاً وقد يرضع الصغير شاة فلا يجب لها عليه حق لأن الله تعالى لم يجعله لها وجعله للأبوين وإن كانا كافرين مجنونين ولم يتوليا تربيتنا بل اشتغلا عنا بلذاتهما ليس هاهنا إلا أمر الله تعالى فقط وبرهان آخر أن امرأ لو زنى بامرأة عالماً بتحريم ذلك أو غير عالم إلا أنه ممل لا يلحق به الولد المخلوق من نطفته النزلة من ذلك الوطء فإن بره لا يلزم ذلك الولد أصلاً ويلزمه بر أمه لان الله تعالى أمره بذلك لها ولم يأمره بذلك في الذي تولد من نطفته فقط ولا فرق في العقل بين الرجل والمرأة في ذلك ولا فرق في المعقول وفي الولادة تولد الجنين من نطفة الواطئ لأمه بين أولاد الزنا وأولاد الرشدة لكن لما ألزم الله تعالى أولاد الرشدة المتولدين عن عقد نكاح أو ملك يمين فاسدين أو صحيحين بر آمائهم وشكرهم وجعل عقوقهم من الكبائر لزمنا ذلك ولما لم يلزم ذلك أولاد الزنية لم يلزمهم وقد علمنا نحن وهم يقيناً أن رجلين مسلمين لو خرجا في سفر فأغار أحدهما على قرية من قرى دار الحرب فقتل كل رجل بالغ فيها وأخذ جميع أموالهم وسبى ذراريهم ثم خمسن ذلك بحكم الإمام العدل ووقع في حظه أطفال قد تولى هو قتل آبائهم وسبى أمهاتهم ووقعن أيضاً بالقسمة الصحيحة في حصته فنكحهن وصرف أولادهن في كنس حشوشه وخدمة دوابه وحرثه وحصاده ولم يكلفهم من ذلك إلا ما يطيقون وكساهم وأنفق عليهم بالمعروف كما أمر الله تعالى فإن حقه واجب عليهم بلا خلاف ولو أعتقهم فإنه منعماً عليهم وشكره فرض عليهم وكذلك لو فعل ذلك بمن اشتراه هو مسلم بعد وأغار الثاني على قرية للمسلمين فأخذ صبياناً من صبيانهم فاسترقهم فقط ولم يقتل أحداً ولا سبى لهم حرمة فربى الصبيان أحسن تربية وكانوا في قرية شقاء وجهد وتعب وشظف عيش وسوء حال فرفه معايشهم وعلمهم العلم والإسلام وخولهم المال ثم أعتقهم فلا خلاف في أنه لا حق له عليهم وإن دمه وعداوته فرض عليهم وإنه لو وطئ امرأة منهن وهو محصن وكان أحدهم قد ولي حكماً للزمه شدخ رأسه بالحجارة حتى يموت أفلا يتبين لكل ذي عقل من أهل الإسلام إنه لا محسن ولا منعم إلا الله تعالى وحده لا شريك له إلا من سماه الله تعالى محسناً أو منعماً ولا شكر لازماً لأحد على أحد إلا من ألزمه الله تعالى شكره ولا حق لأحد على أحد إلا من جعل الله تعالى له حقاً فيجب كل ذلك إذ أوجبه الله تعالى وإلا فلا وقد أجمعوا معنا على أن من أفاض إحسان الدنيا على إنسان أفاضه بوجه حرمه الله تعالى فإنه لا يلزمه شكره و إن من أحسن إلى آخر غاية الإحسان فشكره بأن أعناه في دنياه بما لا يجوز في الدين فإنه مسيء إليه ظالم فصح يقيناً أنه لا يجب شيء ولا يحسن شيء ولا يقبح شيء إلا ما أوجبه الله تعالى في الدين أو حسنه الله تعالى في الدين أو قبحه الله في الدين فقط وبالله تعالى نتأيد وقال بعضهم الكذب قبيح على كل حال. قال أبو محمد: وهذا كالأول وقد أجمعوا معنا على بطلان هذا القول وعلى تحسين الكذب في مواضع خمسة إذ حسنه الله تعالى وذلك نحو إنسان مسلم مستتر من أمام ظالم يظلمه ويطلبه فسأل ذلك الظالم هذا الذي استتر عنده المطلوب وسأل أيضاً كل من عنده خبره وعن ماله فلا خلاف بين أحد من المسلمين في أنه أن صدقه ودله على موضعه وعلى ماله فإنه عاص لله عز وجل فاسق ظالم فاعل فعلاً قبيحاً وإنه لو كذبه وقال له لا أدري وكان مكانه ولا مكان ماله فإنه مأجور محسن فاعل فعلاً حسناً وكذلك كذب الرجل لامرأته فيما يستجر به مودتها وحسن صحبتها والكذب في حرب المشركين فيما يوجد به السبيل إلى إهلاكهم وتخليص المسلمين منهم فصح أنه قبح الكذب حيث قبحه الله عز وجل ولولا ذلك ما كان قبيحاً بالعقل أصلاً إذ ما وجب بضرورة العقل فمحال أن يستحيل في هذا العالم البتة عما رتبه الله عز وجل في وجود العقل إياه كذلك فصح كذبهم على العقول وقال بعضهم الظلم قبيح. قال أبو محمد: وهذا كالأول ونسألهم ما معنى الظلم فلا يجدون إلا أن يقولوا أنه قتل الناس وأخذ أموالهم وآذاهم وقتل المرء نفسه أو التشويه بها أو إباحة حرمه للناس ينكحونهن وكل هذا فليس شيء منه قبيحاً لعينه وقد أباح الله عز وجل أخذ أموال قوم بخراسان من أجل ابن عمهم قتل بالأندلس رجلاً خطأ لم يرد قتله لكن رمى صيداً مباحاً له أو رمى كافراً في الحرب فصادف المسلم السهم وهو خارج من خلف جبل فمات ووجدناه تعالى قد أباح دم من زنى وهو محصن ولم يطئ امرأة قط إلا زوجة له عجوزاً شعرها سوداء وطئها مرة ثم ماتت ولا يجد من أن ينكح ولا من أن يتسرى وهو شاب محتاج إلى النساء وحرم دم شيخ زنى وله ماية جارية كالنجوم حسناً إلا أنه لم يكن له قط زوجة وأما قتل المرء نفسه فقد حسن الله تعالى تعريض المرء نفسه للقتل في سبيل الله عز وجل وصدمة الجموع التي يوقن أنه مقتول في فعله ذلك وقد أمر عز وجل من قبلنا بقتل نفسه قال تعالى: " قال أبو محمد: وهذا كالأول وما قبح الكفر إلا لأن الله قبحه ونهى عنه ولولا ذلك ما قبح وقد أباح الله عز وجل كلمة الكفر عند التقية وأباح بها الدم في غير التقية ولو أن أمرؤ اعتقد أن الخمر حرام قبل أن ينزل تحريمها لكان كافراً ولكان ذلك منه كفراً إن كان عالماً بإباحة الرسول صلى الله عليه ويلم ثم صار ذلك الكفر إيمان وصار الآن من اعتقد تحليلها كافراً وصار اعتقاد تحليلها كفراً فصح أن لا كفر إلا ما سماه الله تعالى كفراً ولا إيماناً إلا ما سماه إيماناً وأن الكفر لا يقبح إلا بعد أن قبحه الله عز وجل ولا يحسن الإيمان إلا بعد أن حسنه الله عز وجل فبطل كل ما قالوه في الجور والكفر والظلم وصح أنه لا ظالم إلا ما نهى الله عنه ولا جور إلا ما كان كذلك ولا عدل إلا ما أمر الله تعالى به أو إباحة أي شيء كان وبالله تعالى التوفيق فإذ هذا كما ذكرنا فقد صح أنه لا ظلم في شيء من فعل الباري تعالى ولو أنه تعالى عذب من لم يقدره على ما أمر به من طاعته لما كان ذلك ظلماً إذ لم يسميه تعالى ظلماً وكذلك ليس ظلماٍ خلقه تعالى للأفعال التي هي من عباده عز وجل وكفر وظلم وجور لأنه لا آمر عليه تعالى ولا ناهياً بل الأمر أمره والملك ملكه وقالوا تكليف ما لا يطاق ثم التعذيب عليه قبيح في العقول جملة لا يحسن بوجه من الوجوه فيما بيننا فلا يحسن من الباري تعالى أصلاً. قال أبو محمد: نسي هؤلاء القوم مالا يجب أن ينسى ويقال لهم أليس قول القائل فيما بيننا اعبدوني اسجدوا لي قبحاً لا يحسن بوجه من الوجوه ولا حال من الأحوال فلا بد من نعم فيقال لهم أوليس هذا القول من الله تعالى حسناً وحقاً فلا بد من نعم فإن قالوا إنما قبح ذلك منا لأننا لا نستحقه قيل لهم وكذلك إنما قبح منا تكليف ما لا يطاق والتعذيب عليه لأننا لا نستحق هذه الصفة وأي شيء أتوا به من الفرق فهو راجع عليهم في تكليف ما لا يطاق ولا فرق وكذلك الممتن بإحسانه الجبار المتكبر ذو الكبرياء قبيح في ما بيننا على كل حال هو من الله تعالى حسن وحق وقد سمى نفسه الجبار المتكبر وأخبر أن له كبرياء وهو تعالى يمن بإحسانه فإن قالوا حسن ذلك منه لأن كل خلقه قيل لهم وكذلك حسن منه تكليف ما لا يستطيع ثم تعذيبه لأن كل خلقه وكذلك في ما بينا من عذب حيواناً بالنتف والضرب ثم أحسن علفه ورفهه فهو قبيح على كل وجه وفاعله عابث وهم يقولون أن الباري تعالى أباح ذلك الحيوان من أكلها وذبحها ثم يعوضها على ذلك وهذا منه عز وجل حسن ألا أن يلجؤا إلى أنه تعالى لا يقدر على تعويض الحيوان إلا بعد إيلامها وتعذيبها فهذا أقبح قول وأبينه كذباً وأوضحه نخبة وأتمه كفراً وأذمه للباري تعالى وحسبنا الله ونعم الوكيل فإن قالوا إن إيلام الحيوان قد يحسن فيما بيننا مثل أن يسقي الإنسان من يحب ماء الأدوية الكريهة ويحجمه ويكويه ليوصله بذلك إلى منافع لولا هذا المكروه لم يكن ليصل إليها. قال أبو محمد: وهذا تمويه لم ينفكوا به مما سألهم عنه أصحابنا في هذه المسألة ونحن لم نسألهم عمن لا يقدر على نفعه إلا بعد الأذى الذي هو أقل من النفع الذي يصل إليه بعد ذلك الأذى وإنما سألناهم عمن يقدر على نفعه دون أن يبتديه بالأذى ثم لا ينفعه إلا حتى يؤذيه. قال أبو محمد: وكذلك تكليف من يدري المرء أنه لا يطيقه وأنه إذا لم يطقه عذبه قبيح فيما بيننا فقال قائل منهم إن هذا قد يحسن فيما بيننا وذلك أن يكون المرء يريد أن يقرر عند صديقه معصية عبده له فيأمره وهو يدري انه لا يطيعه فإن نهيه له حسن. قال أبو محمد: وهذا كالأول ولا فرق ولم نسألهم عمن لم يقدر على تعريف صديقه معصية غلامه له إلا بتكليفه أمامه مالا يطيعه فيه ولا عمن لا يقدر على منع العاصي له بأكثر من النهي وإنما نسألهم عمن لا منفعة له في أن يعلم زيد معصية غلامه له وعمن يقدر على أن يعرف زيداً بذلك ويقرره عنده بغير أن يأمر من لا يطيعه وعمن يقدر على منعه من المعصية فلا يفعل ذلك إلا أن يعجزوا ربهم كما ذكرنا فهذا مع أنه كفر فهو أيضاً كذب ظاهر لأنه تعالى قد أخبر عن أهل النار أنهم لوردوا لعادوا لما نهوا عنه فتقرر هذا عندنا تقرراً لو رأينا ذلك عياناً ما زادنا علماً بصحته وكذلك ما شاهدنا قوماً آخرين أرادوا ضروباً من المعاصي فحال الله تعالى بينهم وبينها بضروب من ألحوايل وأطلق آخرين ولم يحل بينهم وبينها بل قوي الدواعي لها ورفع الموانع عنها جملة حتى ارتكبوها فلاح كذب المعتزلة وعظيم إقدامهم على الافتراء على الله تعالى وشدة مكابرتهم العيان ومخالفتهم للمعقول وقوة جهلهم وتناقضهم نعوذ بالله من الخذلان ثم بعد هذا كله فأي منفعة لنا في تعريفنا أن فرعون يعصي ولا يؤمن وما الذي ضر الأطفال إذا ماتوا قبل أن يعرفوا من أطاع ومن عصى ونسألهم عمن أعطى آخر سيوفاً وخناجر وعتلاً للنقب وكل ذلك يصلح للجهاد ولقطع الطريق والتلصص وهو يدري أنه لا يستعمل شيئاً من ذلك في الجهاد إلا في قطع الطريق والتلصص وعمن مكن آخر من خمر وامرأة عاهرة وبغاء وأخلى له منزلاً مع كل ذلك أليس عابثاً ظالماً بلا خلاف فلا بد من نعم ونحن وهم نعلم أن الله عز وجل وهب لجميع الناس القوة التي بها عصوا وهو يدري أنهم يعصونه بها وخلق الخمر وبثها بين أيديهم ولم يحل بينهم وبينها وليس ظالماً ولا عابثاً فإن عجزوه تعالى عن المنع من ذلك بلغوا الغاية من الكفر فإن من عجز نفسه منا عن منع الخمر من شاربها وهو يقدر على ذلك لفي غاية الضعف والمهانة أو مريداً لكون ذلك كما شاء لا معقب لحكمه وهذا قولنا لا قولهم. قال أبو محمد: فانقطعوا عند هذه ولم يكن لهم جواب إلا أن بعضهم قال إنما قبح ذلك منا لجهلنا بالمصالح ولعجزنا عن التعويض ولأن ذلك محظور وهذا محظور علينا ولو أن امرءاً له منا عبيد وقد صح عنده بأخبار النبي عليه الصلاة والسلام أنهم لا يؤمنون أبداً فإن كسوتهم وإطعامهم مباح له. قال أبو محمد: وهذا عليهم لا لهم وإقراراً منهم بأنه إنما قبح ذلك منا لنه محرم علينا وكذلك كسوة العبيد الذين يوقن أنهم لا يؤمنون وإنما حسن ذلك لأننا مأمورون بالإحسان إلى العبيد وإن كانوا كفاراً ولو فعلنا بأهل دار الحرب لكنا عصاة لأننا نهينا عن ذلك ليس ها هنا شيء يقبح ولا يحسن إلا ما أمر الله تعالى فقط وأما قولهم أن ذلك قبح منا لجهلنا بالمصالح فليقنعوا بهذا فمن أجابهم بهذا بعينه في الفرق بين حسن تكليف الله تعالى ما لا يطاق وتعذيبه عليه منه وقبح ذلك منا وإنه إنما قبح منا لجهلنا بالمصالح. قال أبو محمد: وأما نحن فكلا الجوابين عندنا فاسد ولا مصلحة فيما أدى إلى النار والخلود فيها بلا نهاية ولكنا نقول قبح منا ما نهانا الله عنه وحسن منا ما أمرنا به وكل ما فعله ربنا تعالى الذي لا آمر فوقه فهو عدل وحسن وبالله تعالى التوفيق. وسألهم أصحابنا فقالوا إن المعهود بيننا أن الحكيم لا يفعل إلا لاجتلاب منفعة أو دفع مضرة ومن فعل لغير ذلك فهو سفيه والباري تعالى يفعل لغير اجتلاب منفعة ولا لدفع مضرة وهو حكيم. فقالت طائفة من المعتزلة أن الباري تعالى يفعل لاجتلاب المنافع إلى عباده ودفع المضار عنهم وقالت طائفة منهم لم يكن الحكيم في ما بيننا حكيماً لأنه يفعل لاجتلاب المنافع ودفع المضار لأنه قد يفعل ذلك كل ملتذ وكل متشف وإن لم يكن حكيما وإنما سمي الحكيم حكيما لإحكامه عمله. قال أبو محمد: وكل هذا ليس بشيء لأن من الحيوان ما يحكم عمله مثل الخطاف والعنكبوت والنحل ودود القز ولا يسمى شيء من ذلك حكيما ولكن إنما سمي الحكيم حكيما على الحقيقة لالتزامه الفضائل واجتنابه الرذائل فهذا هو العقل والحكمة المسمى فاعله حكيماً عاقلاً وهكذا هو في الشريعة لأن جميع الفضائل إنما هي طاعات الله عز وجل والرذائل إنما هي معاصيه فلا حكيم إلا من أطاع الله عز وجل واجتنب معاصيه وعمل ما أمره ربه عز وجل وليس من أجل هذا يسمى الباري حكيماً إنما سمي حكيماً لأنه سمى نفسه حكيماً فقط ولو لم يسمي نفسه حكيماً ما سميناه حكيماً كما لم نسمه عاقلاً إذ لم يسم بذلك ثم نقول لهم وأما قولكم إنما سمي الله حكيماً لفعله الحكمة فأنتم مقرون أنه أعطى الكفار قوة الكفر ولا يسمى مع ذلك مقوياً على الكفر وأما من قال منهم أنه تعالى يفعل لاجتلاب المنافع إلى عباده ودفع المضار عنهم فكلام فاسد إذا قيل على عمومه لأن كل مستضر يفعله في دنياه وأخراه لم يصرف الله تعالى عنه تلك المضرة وقد كان قادراً على صرفها عنه إلا أن يعجزوه عن ذلك فيكفروا وسألهم أصحابنا فقالوا إذا كان الله عز وجل لا يفعل إلا ما هو عدل بيننا فلم خلق من يدري أنه يكفر به وأنه سيخلده بين أطباق النيران أبداً فأجابوا عن هذا بأجوبة فمن أظرفها أن كثيراً منهم قالوا لو لم يخلق من يكفر به ويخلده في نار جهنم لما استحق العذاب أحد ولا دخل النار أحد. قال أبو محمد: وتكفي من الدلالة على ضعف عقل هذا الجاهل هذا الجواب ونقول له ذلك ما كنا نبغي وهل الخير كله على ما بيننا إلا أن لا يعذب أحد بالنار وهل الحكمة المعهودة بيننا والعدل الذي لا عدل عندنا سواه إلا نجاة الناس كلهم من الأذى واجتماعهم في النعيم الدائم ولكن المعتزلة قوم لا يعقلون وأجاب بعضهم في هذا بأن قال لو كان هذا لسلم الجميع من اللوم ولكان لا شيء أوضع ولا أخس من العقل لأن الذي لا عقل له سالم من العذاب واللوم والأمم كلها مجمعة على فضل العقل. قال أبو محمد: لو عرف هذا الجاهل معنى العقل لم يجب بهذا السخف لأن العقل على الحقيقة إنما هو استعمال الطاعات واجتناب المعاصي وما عدا هذا فليس عقلاً بل هو سخف وحمق قال الله عز وجل حكاية عن الكفار أنهم قالوا: " قال أبو محمد: وهذا خبط لا عهد لنا بمثله وهذا غاية السخف والعبث والظلم فأما العبث فإن في العقول منا أن من عذب واحداً ليعظ به الآخر فغاية العبث والسخف وأما الجور فأي جور أعظم فيما بيننا من أن يخلق قوماً قد علم أنه يعذبهم ليعظ بهم آخرين من خلقه مخلدين في النعيم فهلا عذب الملائكة وحور العين ليعظ بهم الجن والإنس وهل هذا على أصولهم إلا غاية المحاباة والظلم والعبث تعالى الله عن ذلك يفعل ما يشاء لا معقب لحكمه وسألهم أصحابنا عن إيلام الله عز وجل الصغار والحيوان وإباحته تعالى ذبحها فوجموا عند هذه وقال بعضهم لأن الله تعالى يعوضهم على ذلك. قال أبو محمد: وهذا غاية العبث فيما بيننا ولا شيء أتم في العبث والظلم ممن يعذب صغيراً ليحسن بعد ذلك إليه فقالوا أن تعويضه بعد العذاب بالجدري و الأمراض أتم ألذ من تنعيمه دون تعذيب. قال أبو محمد: وفي هذا عليهم جوابان أحدهما أن يقول لهم أكان الله تعالى قادراً على أن يوفي الأطفال والحيوان ذلك النعيم دون إيلام أو كان غير قادر على ذلك فإن قالوا كان غير قادر جمعوا مع الكفر الجنون لان ضرورة العقل يعلم بها انه إذا قدر على أن يعطيهم مقداراً ما من النعيم بعد الإيلام فلا شك في أنه قادر على ذلك المقدار نفسه دون إيلام يتقدمه ليس في العقل غير هذا أصلاً إذ ليس ها هنا منزلة زائدة في القدرة ولا فعلان مختلفان وإنما هو عطاء واحد لشيء واحد في كلا الوجهين وإن قالوا أنه قادر على ذلك فقد وجب العبث على أصولهم إذ كان قادراً على أن يعطيهم دون إيلام ما لم يعطهم إلا بعد غاية الإيلام والجواب الثاني أن نريهم صبياناً وحيواناً أماتهم في خير دون إيلام وهذه محاباة وظلم للمؤلم منهم فقالوا إن المؤلم لم يزداد في نعيمه لأجل إيلامه فقلنا لهم فهذه محاباة بزيادة النعيم للمؤلم فهلا ألم الجميع ليستوي بينهم في النعيم أو هلا تستوي بينهم في النعيم بأن لا يؤلم منهم أحداً وهذا ما لا انفكاك منه البتة وقال بعضهم فعل ذلك ليعظ بهم غيرهم. قال أبو محمد: وهذا غاية الجور بيننا ولا عبث أعظم من أن يعذب إنساناً لا ذنب له ليوعظ بذلك آخرون مذنبون وغير مذنبين والله تعالى قد أنكر هذا بقوله تعالى: " قال أبو محمد: وهذا كالذي قبله في الجور بسواء ان يؤذى من لا ذنب له ليأجر بذلك مذنباً أو غير مذنب حاشا لله من هذا إلا ان في هذا مزية من التناقض لأن هذا التعليل ينقض عليهم في أولاد الكفار وأولاد الزنى ممن قد ماتت أمه وفي اليتامى من آبائهم وأمهاتهم ورب طفل قد قتل الكفار أو الفساق أباه وأمه وترك هو بدار مضيعة حتى مات هزلاً أو أكلته السباع فليت شعري من وعظ بهذا أو من أوجر به مع أن هذا مما لم يجدوه يحسن بيننا البتة بوجه من الوجوه يعني أن نؤذي إنساناً لا ذنب له لينتفع بذلك آخرون وهم يقولون أن الله تعالى فعل هذا فكان حسناً وحكمة ولجأ بعضهم إلى أن قال أن لله عز وجل في هذا سراً من الحكمة والعدل يوقن به وإن كنا لا نعلم لما هو ولا كيف هو. قال أبو محمد: وإذ قد بلغوا ها هنا فقد قرب أمرهم بعون الله تعالى وهو أن يلزمهم تصديق من يقول لهم ولله تعالى في تكليف من لا يستطيع ثم تعذيبه عليه سر من الحكمة يوقن به ولا نعلمه. قال أبو محمد: وأما نحن فلا نقول بهذا بل نقول أنه لا سر ها هنا أصلاً بل كل ذلك كما هو عدل من الله عز وجل لا من غيره ولله الحجة البالغة لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. قال أبو محمد: ولجأت طائفتان منهم إلى أمرين أحدهما قول بكر بن أخت عبد الواحد بن زيد فإنه قال أن الأطفال لا يألمون البتة. قال أبو محمد: ولا ندري لعله يقول مثل ذلك في الحيوان. قال أبو محمد: وهذا انقطاع سمج ولجاج في الباطل قبيح ودفع للعيان والحس وكل واحد منا قد كان صغيراً ويوقن أننا كنا نألم الألم الشديد الذي لا طاقة لنا بالصبر عليه والثانية عليه أحمد بن حابظ البصري والفضل الحربي وكلاهما من تلاميذ النظام فإنهما قالا أن أرواح الأطفال وأرواح الحيوان كانت في أجساد قوم عصاة فعوقبت بأن ركبت في أجساد الأطفال والحيوان لتؤلم عقوبة لها. قال أبو محمد: ومن هرب عن الإذعان للحق أو عن الإقرار بالانقطاع إلى الكفر والخروج عن الإسلام فقد بلغ إلى حالة ما كنا نريد ان يبلغها لكن إذا آثر الكفر فإلى لعنة الله وحر سعيره ونعوذ بالله من الخذلان وإنما كلامنا هذا مع من يتقي مخالفة الإسلام فأما أهل الكفرفقد تم ولله الحمد إبطالنا لقولهم وقد أبطلنا قول أصحاب التناسخ في صدر كتابنا هذا والحمد لله فأغنى عن إعادته وإذا بلغ خصمنا إلى مكابرة الحس أو إلى مفارقة الإسلام فقد انقطع وظهر باطل قوله ولله تعالى الحمد. قال أبو محمد: فإن لجؤوا إلى قول معمر والجاحظ وقالوا أن آلام الأطفال هي فعل الطبيعة لا فعل الله تعالى لم يتخلصوا بذلك من الانقطاع بل نقول لهم هل الله عز وجل قادر على معارضة هذه الطبيعة المقطعة لحم هذا الصبي بالجدري والآكلة والخنازير المعدية له ووجع الحصاة واحتبس البول أو الغائط أو انطلاق البطن حتى يموت والعدو القاسي القلب يرحمه ويتقطع له لعظيم ما يرى به من التضور والأوجاع بقوة من عنده تعالى يفرجوا بها عن هذا الطفل المسكين المعذب أم هو تعالى غير قادر على ذلك فإن قالوا هو غير قادر على ذلك فما في العالم أعجز ممن تغلبه طبيعة هو خلقها وطبعها ووضعها فيمن هي فيه وربما غلبها طبيب ضعيف من خلقه بعقار ضعيف من خلقه فهل في الجنون والكفر أكثر من هذا القول أن يكون هو خلق الطبيعة ووضعها فيمن هي فيه ثم لا يقدر على كف عملها الذي هو وضعه فيها وإن قالوا بل هو قادر على صرف الطبيعة وكفها ولم يفعل دخل في نفس ما أنكر وأقر على ربه على أصله الفاسد بالظلم والعبث وبالضرورة ندري أن من رأى طفلاً في نار أو ماء وهو قادر على استنقاذه بلا مؤونة ولم يفعل فهو عابث ظالم ولكن الله تعالى يفعل ذلك وهو الحكم العدل في حكمه لا العابث ولا الظالم وهذا هو الذي أعظموا من ان يكون قادراً على هدي الكفار ولا يفعل ولجأ بعضهم إلى أن قال لو عاش هذا الطفل لكان طاغياً قلنا لهم لم نسألكم بعد عمن مات طفلاً إنما سألناكم عن إيلامه قبل بلوغه ثم نجيبهم عن قولهم فيمن مات من الأطفال أنه لو عاش لكان طاغياً فنقول لهم هذا أشد في الظلم أن يعذبه على ما لم يفعل بعد. قال أبو محمد: قد وجدنا الله عز وجل قد حرم ذبح بعض الحيوان وأكله وأباح ذبح بعضه وأوجب ذبح بعضه إذا نذر الناذر ذبحه قرباناً فنقول للمعتزلة اخبرونا ما كان ذنب الذي أبيح ذبحه وسلخه وطبخه بالنار وأكله وما كان ذنب الذي حرم كل ذلك فيه حتى حرم العوض الذي تدعونه وما كان بخت الذي حرم إيلامه ووجدناه عز وجل قد أباح ذبح صغار الحيوان مع ما يحدث لأمهاتها من الحنين والوله كالإبل والبقر فأي فرق بين ذبحنا لمصالحنا أو لتعوض هي وبين ما حرم من ذبح أطفالنا وصغار أولاد أعدائنا لمصالحنا أو ليعوضوا فإن طردوا دعواهم في المصلحة لربهم أن كل من له مصلحة في قتل غيره كان له قتله فإن قالوا لا يجوز ذلك إلا حيث أباحه الله عز وجل تركوا قولهم ووقفوا للحق. قال أبو محمد: وجدناه تعالى قد حرم قتل قوم مشركين يجعلون له الصاحبة والولد ويهود ومجوس إذا أعطونا ديناراً أو أربعة دنانير في العام وهم يكفرون بالله تعالى وأباح قتل مسلم فاضل قد تاب وأصلح لزنى سلف منه وهو محصن ولم يبح لنا من استبقاء مشركي العرب من عباد الأوثان إلا بأن يسلموا ولا بد فأي فرق بين هؤلاء الكفار وبين الكفار الذين افترض علينا إبقاؤهم لذهب نأخذه منهم في العام. قال أبو محمد: وقالوا لنا هل في أفعال الله تعالى عبث وضلال ونقص ومذموم فجوابنا وبالله تعالى التوفيق أما أن يكون في أفعاله تعالى عبث يوصف به أو عيب مضاف إليه أو ضلال يوصف به أو نقص ينسب إليه أو جور منه أو ظلم منه أو مذموم منه فلا يكون ذلك أصلاً بل كل أفعاله عدل وحكمة وخير وصواب وكلها حسن منه تعالى ومحمود منه ولكن فيها على من ظهر منه ذلك الفعل وعبث منه وضلال منه وظلم منه ومذموم منه ثم نسألهم فنقول لهم هل في أفعاله تعالى سخف وجنون وفضائح ومصائب وقبح وسخام وأقذار وإنتان ونجس وسخنه للعين وسواد للوجه فإن قالوا لا أكذبهم الله عز وجل بقوله تعالى: " قال أبو محمد: وسأل بعض أصحابنا بعض المعتزلة فقال إذا كان عندكم إنما خلق الله تعالى الكفار وهو يعلم انهم لا يؤمنون وأنه سيعذبهم بين أطباق النيران أبداً ليعظ بهم الملائكة وحور العين فقد كان يكفي من ذلك خلق واحد منهم فقال له المعتزلة ان المؤمنين الذين يدخلون الجنة والملائكة وحور العين وجميع من لا عذاب عليه من الأطفال أكثر من الكفار بكثير جداً. قال أبو محمد: ولم يخرج بهذا الجواب مما ألزمه السائل لأن الموعظة كانت تتم بخلق واحد هذا لو كان يخلق من يعذب ليوعظ به آخر وجه في الحكمة بيننا وأيضاً فلولا ذكره الملائكة لكان كاذباً في ظنه إن عدد الداخلين في الجنة من الناس أكثر من الداخلين النار لأن الأمر بخلاف ذلك لأن الله عز وجل يقول: " قال أبو محمد: ولجأ قوم منهم إلى أن قالوا أن الله تعالى لم يعلم من يكفر ولا من يؤمن وأقروا أنه لو علم من يموت كافراً لكان خلقه له جوراً وظلماً. قال أبو محمد: وهؤلاء أيضاً مع عظيم ما أتوا به من الكفر في تجهيل ربهم تعالى فلم يتخلصوا مما ألزمهم أصحابنا لأنه ليس من الحكمة خلق من لا يدري أيموت كافراً فيعذبه أم لا وهذا هو التغرير بمن خلق وتعريضهم للهلكة على جهالة وهذا ليس من الحكمة ولا من العدل فيما بيننا لمن يمكنه أن لا يغرر وقد كان الباري تعالى قادراً على أن لا يخلق كما قد كان لم يزل لا يخلق ثم خلق إلا أن يلجأ إلى أنه تعالى لا يقدر على أن لا يخلق فيجعلوه مضطراً ذا طبيعة غالبة وهذا كفر مجرد محض ونعوذ بالله من الخذلان. قال أبو محمد: وإذا أقرت المعتزلة أن أطفال بني آدم كلهم أولاد المشركين وأولاد المسلمين في الجنة دون عذاب ولا تقرير تكليف فقد نسوا قولهم الفاسد أن العقل أفضل من عدمه بل ما نرى السلامة على قولهم وضمانها والحصول على النعيم الدائم في الآخرة بلا تقرير إلا في عدم العقل فكيف فارقوا هذا الاستدلال وأما نحن فنقول إن من أسعده الله تعالى من الملائكة فلم يعرضهم لشيء من الفتن أعلى حالاً من كل خلق غيرهم ثم بعدهم الذين عصم الله تعالى من النبيين عليهم الصلاة والسلام وأمنهم من المعاصي ثم من سبقت لهم من الله تعالى الحسنى من مؤمني الجن والإنس الذين لا يدخلون النار والحور العين اللاتي خلقن لأهل الجنة على أن لهؤلاء المذكورين حاشا الحور العين حالة من الخوف طول بقائهم في الدنيا ثم يوم الحشر في هول المطلع وشنعة ذلك الموقف الذي لا يقي به شيء إلا السلامة منه ولا يهنأ معه عيش حتى يخلص منه وقد تمنى كثير من الصالحين العقلاء الفضلاء أن لو كانوا نسياً منسياً في الدنيا ولا يعرضوا لما عرضوا له على أنهم قد آمنوا بالضمان التام الذي لا ينجس ولقد أصابوا في ذلك إذ السلامة لا يعد لها شيء إلا عند عقول المعتزلة القائلين بأن الثواب والنعيم بعد الضرب بالسياط والضغط بأنواع العذاب والتعريض بكل بلية أطيب وألذ وأفضل من النعيم السالم من أن يتقدمه بلاء ثم الأطفال الذين يدخلون الجنة دون تكليف ولا عذاب ومن بلغ ولا تمييز له ثم منزلة من دخل النار ثم أخرج منها بعد أن دخل فيها على ما فيها من البلاء نعوذ بالله منه وأما من يخلد في النار فكل ذي حس سليم توقن نفسه يقين ضرورة أن الكلب والدود والقرد وجميع الحشرات أحسن حالاً في الدنيا والآخرة منه وأعلى مرتبة وأتم سعداً وأفضل صفة وأكرم عناية من عند الباري تعالى منه ويكفي من هذا إخبار الله تعالى إذ يقول: " قال أبو محمد: ومن عجائبهم قولهم أن الله تعالى لم يخلق شيئاً لا يعتبر به أحد من المكلفين. قال أبو محمد: فنقول لهم ما دليلكم على هذا وقد علمنا بضرورة الحس أن لله تعالى في قعور البحار وأعماق الأرض أشياء كثيرة لم يرها إنسان قط فلم يبق إلا أن يدعو عوض الملائكة والجن في عمق الجبال وقعور البحور فهذه دعوة مفتقرة إلى دليل وإلا فهي باطلة قال عز وجل: " إن الله تعالى إذا خلق زيداً وله من الطول كذا وكذا فإنه لو خلقه على أقل من ذلك الطول بإصبع لكان الاعتبار بخلقه سواء كما هو الآن ولا مزيد وهكذا كل مقدار من المقادير فإن ادعوا أن الزيادة في العدد زيادة في العبرة لزمهم أن يلزموا ربهم تعالى أن يزيد في مقدار طول كل ما خلق لأنه كان يكون زيادة في الاعتبار وإلا فقد قصر وبالجملة فهو سهم لا يحصيه إلا الذي خلقهم نعوذ بالله مما ابتلاهم به. قال أبو محمد: وهم مقرون أن العقول معطاة من عند الله عز وجل فنسألهم أفاضل بين عباده فيما أعطاهم من العقول أم لا فإن قالوا لا كابروا الحس ولزمهم مع ذلك أن عقل النبي صلى الله عليه وسلم وتمييزه وعقل عيسى وإبراهيم وموسى وأيوب وسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وتمييزهم عقل مريم بنت عمران وتمييزها بل تمييز جبريل وميكائيل وسائر الملائكة ثم تمييز أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعقولهم وتمييز أمهات المؤمنين وبنات النبي صلى الله عليه وسلم رضوان الله على جميع من ذكرنا وعقولهن ثم تمييز سقراط وأفلاطون وأرسطاطاليس وعقولهم ليس شيء من ذلك أفضل من العقل والتمييز المعطيين لهذا المخنث البغاء الزقان ولهذه الزانية الخليقة المتبرجة السحاقة ولهذا الشيخ الذي يلعب مع الصبيان بالكعاب في الخانات ويعجفهم إذا قدر ومن بلغ هذا المبلغ وساوى بين من أعطى الله عز وجل كل من ذكرنا من العقل والتمييز فقد كفى خصمه مؤونته وإن قالوا بل الله تعالى فاضل بين عباده فيما أعطاهم من العقل والتمييز قيل لهم صدقتم وهذا هو المحاباة والجور على أصولكم ولا محاباة على الحقيقة أكثر من هذا وهي عندنا حق وعدل منه تعالى لا يسأل عما يفعل ولعمري أن فيهم لا عجباً إذ يقولون أن الله تعالى لم يعط أحداً من خلقه إلا ما أعطى سائرهم فهلا إن كانوا صادقين ساوى جميعهم إبراهيم النظام وأبا الهذيل العلاف وبشر بن المعتمر والجبائي في دقة نظرهم وقوتهم على الجدال إذ كلهم فيما منحهم الله عز وجل من ذلك سواء فإذ لا شك في عجزهم عن بلوغ ذلك فلا شك في أن كل أحد لا يقدر أن يزيد فيما منحه الله تعالى به وليس يمكنهم أصلاً أن يدعوا ها هنا أنهم كلهم قادرون على ذكاء الذهن وحدة النظر وقوة الفطنة وجودة الحفظ و البتة لدقيق الحجة وإن لم يظهروا كما ادعوا ذلك في الأعمال الصالحة فصحت المحاباة من الله تعالى يقيناً عياناً لا محيد عنه وبالله تعالى التوفيق فإن قروا أن العقول والذكاء وقبول العلم وذكاء الخاطر ودقة الفهم غير موهوبة من الله تعالى عز وجل قلنا لهم فمن خلقها فإن قالوا هي فعل الطبيعة قلنا لهم ومن خلق الطبيعة التي فعلت العقول وكل ذلك بذاتها متفاضلة فمن قولهم ان الله تعالى خلقها فيقال لهم فهو موجب المحاباة إذ رتب الطبيعة رتبة المحاباة ولا بد وإن قالوا لم تخلق الطبيعة ولا العقول لحقوا بالدهرية وصاروا إلى ما لم يرد لهم المصير إليه وهذا لا مخلص لهم منه أصلاً وبالله تعالى التوفيق وبالضرورة ندري أن من كان تمييزه أتم كان اهتداؤه واعتصامه أتم على أصولهم وهذا هو المحاباة التي أنكروها وسموها ظلماً وجوراً. قال أبو محمد: ومهما أمكنهم من الدفاع والقحة في شيء ما فإنه لا يمكنهم اعتراض أصلاً في أن فضل الله تعالى على المسيح بن مريم عليه الصلاة والسلام وعلى يحيى بن زكريا إذ جعل عيسى نبياً ناطقاً عاقلاً في المهد رسولاً حين سقوطه من بطن أمه وإذ أتى يحيى الحكم صبياً أتم وأعلا وأكثر من فضله على ولد في أقاصي بلاد الخزر والزنج حيث لم يسمع قط ذكر محمد صلى الله عليه وسلم إلا متبعاً أقبح الذكر من التكذيب وانه كان متخيلاً وأكثر من فضله بلا شك على فرعون إذ دعا موسى عليه الصلاة والسلام فقال: " قال أبو محمد: إن من ضل بعد هذا لضال وإن من قال أن فضل الله عز وجل وعطاءه لموسى وعيسى ويحيى ومحمد صلى الله عليه وسلم وعصمته لهم كفضله وعطائه على فرعون وملئه وعصمته لهم الذين نص عز وجل على أنه شد على قلوبهم شداً منعهم الإيمان حتى يروا العذاب الأليم فلا ينفعهم إيمانهم حينئذ لضعيف العقل قليل العلم مهلهل اليقين ولا بيان أبين من هذه الآية في تفضيل الله عز وجل بعض خلقه على بعض واختصاص بعضهم بالهدى والرحمة دون بعض ومحاباته من شاء منهم وإضلاله من ضل منهم وأيضاً فإنهم لا يستطيعون ان الله عز وجل فضل بني آدم على كثير ممن خلق قال تعالى: " قال أبو محمد: وقد ذكر بعضهم أن الله تعالى قبح في عقول بني آدم أكل ما يعطيهم وأكل أموال غيرهم ولم يقبح ذلك في عقول الحيوان. قال أبو محمد: فأقر هذا الجاهل بأن الله تعالى هو المقبح والمحسن فإذ ذلك كذلك فلا قبيح إلا ما قبح الله ولا محسن إلا ما حسن وهذا قولنا ولم يقبح الله تعالى قط خلقه لما خلق وإنما قبح منا كون ذلك الذي خلق من المعاصي فينا فقط وبالله تعالى التوفيق وإن الأمر لأبين من ذلك ألم تروا أن الله خلق الحيوان فجعل بعضهم أفضل من بعض بلا عمل أصلاً ففضل ناقة صالح عليه السلام على سائر النوق نعم وعلى نوق الأنبياء الذين هم أفضل من صالح وإنما أتينا بهذا لئلا يقولوا أنه تعالى إنما فضلها تفضيلاً لصالح عليه السلام وجعل تعالى الكلب مضروباً به المثل بالخساسة والرذالة وجعل القردة والخنازير معذباً بعضه من عصاه بتصويره في صورتها فلولا أن صورتها عذاب ونكال ما جعل القلب في صورتها أشد ما يكون من عذاب الدنيا ونكالها وجعل بعض الحيوان متقرباً إلى الله عز وجل بذبحه وبعضه محرم ذبحه وبعضه مأواه الرياض والأشجار والخضر وبعضه مأواه الحشوش والرداع والدبر وبعضه قوياً وبعضه ضعيفاً وبعضه منتفعاً به في الأودية وبعضه سماً قاتلاً وبعضه قوياً على الخلاص ممن أراد بطيرانه وعدوه أو قوته وبعضه لا مهيناً مخلص عنده وبعضه خيلاً في نواصيها الخير يجاهد عليها العدو وبعضه سباعاً ضارية مسلطة على سائر الحيوان ذاعرة لها قاتلة لها آكلة لها وجعل سائر الحيوان لا ينقصر منها وبعضها حيات عادية مهلكة وبعضها مأكولاً على كل حال فأي ذم كان لبعضه حتى سلط عليه غيره فأكله وقتله وأبيح ذبحه وقتله وإن لم يؤكل كالقمل والبراغيث والبق والوزغ وسائر الهوام ونها عن قتل النحل وعن قتل الصيد في الحرمين والأحرام وأباحه في غير الحرمين والأحرام فإن قالوا أن الله تعالى يعوض ما أباح ذبحه وقتله منها قيل له فهلا أباح ذلك فيما حرم قتله ليعوضه أيضاً وهذه محاباة لا شك فيها مع أنه في المعهود من المعقول عين العبث إلا أن يقولوا أنه تعالى لا يقدر على نعيمها إلا بتقديم الأذى فإنهم لا ينفكون بهذا من المحاباة لها على من لم يبح ذلك فيها من سائر الحيوان مع أنه تعجيز لله عز وجل ولو ويقال لهم ما لذي عجزه عن ذلك وأقدره على تنعيم من تقدم له الأذى في الدنيا أطبيعة فيه جارية على بنيتها أم فوقه وأهب له تلك القدرة ولا بد من أحد هذين القولين وكلاهما كفر مجرد وأيضاً فإن قولهم يبطل بتنعيم الله عز وجل الأطفال الذين ولدوا أحياء وماتوا من وقتهم دون ألم سلف لهم ولا تعذيب فهلا فعل بجميع الحيوان كذلك على أصولكم فقد كان عز وجل قادراً على ان يجعل غذاءنا في غير الحيوان لكن في النبات والثمار كعيش كثير من الناس في الدنيا لا يأكلون لحماً فما ضرهم ذلك في عيشهم شيئاً فهل ها هنا إلا أن الله تعالى لا يجوز الحكم على أفعاله بما يحكم به على أفعالنا لأننا مأمورون منهيون وهو تعالى آمرنا لا مأمور ولا منهي فكل ما فعله عدل وحكمة وحق وكل ما فعلناه فإنه إن وافق أمره عز وجل كان عدلاً وحقاً وإن خالف أمره عز وجل كان جوراً وظلماً. قال أبو محمد: وأما الحيوان فإن قولنا فيه هو نص ما قاله الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم إذ يقول عز وجل: " قال أبو محمد: وإذا قد بلغ الكلام هاهنا فلنصله إن شاء الله تعالى راغبين في الأجر من الله عز وجل على بيان الحق فنقول وبالله تعالى نتأيد أن الله تعالى قد نص كما ذكرنا أنه آخذ من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وهذا نص جلي على أنه عز وجل خلق أنفسنا كلها من عهد آدم عليه السلام لأن الأجساد حينئذ بلا شك كانت تراباً وماء وأيضاً فإن المكلف المخاطب إنما هو النفس لا الجسد فصح يقيناً أن نفوس كل من يكون من بني آدم إلى يوم القيامة كانت موجودة مخلوقة حين خلق آدم بلا شك ولم يقل الله عز وجل أنه أفنانا بعد ذلك ونص تعالى على انه خلق الأرض والماء حينئذ بقوله تعالى إنه جعل من الماء كل شيء حي وقوله تعالى: " قال أبو محمد: فصح بما ذكرنا ان الدور سبع وهي عالمون كل علم منها قائم بذاته فأولها دار الابتداء وعالمه وهو الذي خلق عز وجل فيه الأنفس جملة واحدة وأخذ عليها العهد هكذا نص تعالى على أنها الأنفس بقوله عز وجل: " قال أبو محمد رضي الله عنه: هكذا نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن أرواح الشهداء في الجنة وكذلك الأنبياء بلا شك فمن الباطل أن يفوز الشهداء بفضل يحرمه الأنبياء وهم المقربون الذين ذكر الله تعالى أنهم في الجنة إذ يقول تعالى: " قال أبو محمد: وإذ قد بينا بطلان قول المعتزلة في تحكمهم على ربهم و إيجابهم عليه ما أوجبوا بآرائهم السخيفة وتشبيههم إياه بأنفسهم فيما يحسن منهم ويقبح و تجويزهم إياه فيما فعل وقضى وقدر فلنبين بحول الله وقوته أنهم المجورون له على الحقيقة لا نحن ثم نذكر ما نص الله تعالى عليه مصدقاً لقولنا ومكذباً لقولهم وبالله تعالى التوفيق فنقول وبالله عز وجل نتأيد أن من المحال البين أن يقول المعتزلة أننا نجور الله تعالى ونحن نقول أنه لا يجوز البتة ولا جار قط وإن كل ما فعل أو يفعل أي شيء كان فهو العدل والحق والحكمة على الحقيقة لا شك في ذلك وأنه لا جور إلا ما سماه الله عز وجل جوراً وهو ما ظهر في عصاة عباده من الجنوالإنس مما خالف أمره تعالى وهو خالقه فيهم كما شاء فكيف يكون مجور إليه عز وجل من هذه هي مقالته وإنما المجور لربه تعالى من يقول فيما أخبر الله عز وجل أنه خلقه هذا جور وظلم فإن قائل هذا القول لا يخلو ضرورة من أحد الوجهين لا ثالث لهما إما أنه مكذب لربه عز وجل في إخباره في القرآن أنه برأ المصائب كلها وخلقها وأنه تعالى خلقنا وما نعمل وأنه خلق كل شيء بقدر محرف لكلام ربه تعالى الذي هو غاية البيان عن مواضعه مبدل له بعد ما سمعه وقد نص الله تعالى فيمن يحرف الكلم عن مواضعه ويبدله بعدما سمعه ما نص فهذا خطة كفر إن التزمها والثانية وهي تصديق الله عز وجل في إخباره بذلك وتجويزه في فعله لا بد له من ذلك وهذه أيضاً خطة كفر إن التزمها أو الانقطاع والتناقض والثبات على اعتقاد الباطل بلا حجة تقليداً للعيارين الشطار الفساق كالنظام والعلاف و بشر نخاس الرقيق ومعمر المتهم عندهم في دينه وثمامة الخليع المشهور بالقبائح والجاحظ وهو من عرف هذلاً وعيارة وانهمالاً وهذه أسلم الوجوه لهم ونعوذ بالله من مثلها ثم هم بعد هذا صنفان أصحاب اللطف وأصحاب اللطف فأما أصحاب الأصلح فإن أصحاب الأصلح يصفونهم بأنهم مجورون لله مجهولون له وأصحاب الأصلح يصفهم أصحاب اللطف بأنهم معجزون لله تعالى مشبهون له بخلقه فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون وقد نص الله تعالى على أنه يفعل ما يشاء بخلاف ما قالت المعتزلة فقال عز وجل: " قال أبو محمد: وهذا غاية البيان في أنه عز وجل له أن يكلفنا ما لا طاقة لنا به وأنه لو شاء ذلك لكان من حقه ولو لم يكن له ذلك لما أمرنا بالدعاء في أن لا يحملنا ذلك ولكان الدعاء بذلك كالدعاء في أن يكون إلهاً خالقاً على أصولهم ونص تعالى كما تلونا على أنه قد حمل من كان قبلنا الإصر وهو الثقل الذي لا يطاق وأمرنا أن ندعوه بأن لا يحمل ذلك علينا وأيضاً فقد أمرنا تعالى في هذه الآية أن ندعوه في أن لا يؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا وهذا تكليف ما لا يطاق نفسه لأن النسيان لا يقدر أحد على الخلاص منه ولا يتوهم التحفظ منه ولا يمكن أحداً دفعه عن نفسه فلولا أن له تعالى أن يؤاخذنا بالنسيان من شاء من عباده لما أمرنا بالدعاء في النجاة منه وقد وجدنا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مؤاخذين بالنسيان منهم أبونا آدم صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: " قال أبو محمد: الإذن هاهنا ومشيئته تعالى هو خلق الله تعالى للإيمان فيمن آمن وقوله لإيمانه كن فيكون وعدم إذنه تعالى وعدم مشيئته للإيمان هو أن لا يخلق في المرء الإيمان فلا يؤمن لا يجوز غير هذا البتة إذ قد صح أن الإذن ها هنا ليس هو الأمر وقال عز وجل " قال أبو محمد: وكل آية ذكرناها في باب الاستطاعة منهن حجة عليهم في هذا الباب وكل آية نتلوها إن شاء الله عز وجل في باب إثبات أن الله عز وجل أراد كون الكفر والفسق بعد هذا الباب منهي أيضاً حجة عليهم في هذا الباب وكذلك كل آية نتلوها إن شاء الله عز وجل في إبطال قول من قال ليس عند الله تعالى شيء أصلح مما أعطاه الله أبا جهل وفرعون وأبا لهب مما يستدعي إلى الإيمان فإنها حجة عليهم في هذا الباب وبالله تعالى التوفيق. قال أبو محمد: واحتجت المعتزلة بقول الله تعالى: " قال أبو محمد: وهذه حجة لنا عليهم لأنه تعالى أخبر أنه قادر على أن يسمعهم والإسماع ها هنا الهد بلا شك لأن آذانهم كانت صحاحاً ومعنى قوله تعالى: " قال أبو محمد: وسائرها لا حجة لهم في شيء منه بل هو حجة لنا عليهم وهو نص قولنا أنه خلق السماوات والأرض وما بينهما بالحق وأفعال العباد بين السماء والأرض بلا شك فالله تعالى خلقها بالحق الذي هو اختراعه لها وكل ما فعل تعالى حق وإضلاله من أضل حق له ومنه تعالى وهداه من هدى حق منه تعالى ومحاباته من حابى بالنبوة وبالطاعة حق منه ونحن نبرأ إلى الله تعالى من كل من قال أن الله تعالى خلق شيئاً بغير الحق أو أنه تعالى خلق شيئاً لاعباً أو أنه تعالى ظلم أحداً بل فعله عدل وصلاح ولقد ظهر لكل ذي فهم أننا قائلون بهذه الآيات على نصها وظاهرها فأي حجة لهم علينا في هذه النصوص لو عقلوا وأما المعتزلة فيقولون أنه تعالى لم يخلق كثيراً مما بين السماوات والأرض لا سيما عباد بن سليمان منهم تلميذ هشام بن عمرو الفوطي القائل أن الله تعالى لم يخلق الجدب ولا الجوع ولا الأمراض ولا الكفار ولا الفساق ومحمد بن عبد الله الإسكافي تلميذ جعفر بن حرب القائل أن الله تعالى لم يخلق العيدان ولا المزامير ولا الطنابير وكل ذلك ليس بخلق من خلق الله تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً وهم يقولون أن الله عز وجل لو حابى أحداً لكان ظالماً لغيره وقد صح أن الله تعالى حابى موسى وإبراهيم ويحيى ومحمداً صلوات الله عليهم دون غيرهم ودون أبي لهب وأبي جهل وفرعون والذي حاج إبراهيم في ربه فعلى قول المعتزلة يجب أن الله تعالى ظلم هؤلاء الذين حابى غيرهم عليهم وهذا ما لا مخلص لهم منه إلا بترك قولهم الفاسد وأما قوله تعالى: " وارده من الكافر والفاسق أم لم يشأ ذلك ولا أراد كونه قال أبو محمد: قالت المعتزلة أن الله تعالى لم يشأ أن يكفر الكافر ولا أن يفسق الفاسق ولا ان يشتم تعالى ولا أن يقتل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام واحتجوا بقول الله عز وجل: " قال أبو محمد: ونسألهم فنقول لهم اخبرونا كان الله تعالى قادراً على منع الكافر من الكفر والفاسق من الفسق وعلى منع من شتمه من النطق ومن إمراره على خاطره وعلى منع من قتل من قتل من أنبيائه عليهم الصلاة والسلام أم كان عاجزاً عن المنع من ذلك فإن قالوا لم يكن قادراً على المنع من شيء من ذلك فقد أثبتوا له معنى العجز ضرورة وهذا كفر مجرد وإبطال لإلاهيته تعالى وقطع عليه بالضعف والنقص وتناهي القوة وانقطاع القدرة مع التناقض الفاحش لأنهم مقرون أنه تعالى هو أعطاهم القوة التي بها كان الكفر والفسق وشتمه تعالى وقتل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فمن المحال المحض أن يكون تعالى لا يقدر على أن لا يعطيهم الذي أعطاهم وهذه صفة المضطر المجبر وإن قالوا بل هو قادر على منعهم من ذلك أقروا ضرورة أنهم مريد لبقائهم على الكفر وأنه المبقي للكافر والكفر وحالف الزمان الذي امتد فيه الكافر على كفره والفاسق على فسقه وهذا نفسه هو قولنا أنه أراد كون الكفر والفسق والشتم له وقتل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولم يرض عن شيء من ذلك بل سخطه تعالى وغضب على فعله وقالت المعتزلة إن كان الله تعالى أراد كون كل ذلك فهو إذاً يغضب مما أراد. قال أبو محمد: ونحن نقر أنه تعالى يغضب على فاعل ما أراد كونه منه ثم نعكس عليهم هذا السؤال بعينه فنقول لهم فإذا هذا عندكم منكر وأنتم مقرون به بأنه قادر على المنع منه فهو عندكم يغضب مما أقر ويسخط ما يقره ولا يغيره ويثبت ما لا يرضى وهذا هو الذي شنعوا فيه ولا يقدرون على دفعه والشناعة عليهم راجعة لأنهم أنكروا ما لزمهم وبالضرورة ندري أن من قدر على المنع من شيء فلم يفعل ولا منع منه فقد أراد وجود كونه ولو لم يرد كونه لغيره ولمنع منه ولما تركه يفعل فإن قالوا أنه حكيم وخلاهم دون منع لسر من الحكمة له في ذلك قيل له فاقنعوا بمثل هذا الجواب ممن قال لكم أنه أراد كونه لأنه حكيم كريم عزيز وله في ذلك سر من الحكمة. قال أبو محمد: وأما نحن فنقول أنه تعالى أراد كون كل ذلك ولا سر ها هنا وأن كل ما فعل فهو حكمة وحق وأن قولهم هذا هادم لمقدمتهم الفاسدة أنه يقبح من الباري تعالى ما يقبح منا وفيما بيننا وما علم قط ذو عقل أن عن خلى منا عدوه منطلق اليد على وليه وأحب الناس إليه يقتله ويعذبه ويلطمه ويهينه ويتركه ينطلق على عبيده وإمائه يفجر بهم وبهن طوعاً وكرهاً والسيد حاضر يرى ويسمع وهو قادر على المنع من ذلك فلا يفعل بل لا يقنع بتركهم إلا حتى يعطي عدوه القوة على كل ذلك والآلات المعينة له ويمده بالقوى شيئاً بعد شيء فليس حكيماً ولا حليماً ولكنه عابث ظالم جائر فيلزمهم على أصلهم الفاسد أن يحكموا على الله تعالى بكل هذا لأنهم معترفون بأنه تعالى فعل كل هذا وهذا لا يلزمنا لأننا نقول أن الله تعالى بفعل ما يشاء وأن كل ما فعل مما ذكرنا وغيره فهو كله منه تعالى حكمة وحق وعدل لا يسأل عما يفعل وهم يسألون فبطل بضرورة المشاهدة قولهم أن الله تعالى لم يرد كون الكفر أو كون الفسق أو كون شتمه تعالى وقتل أنبيائه عليهم الصلاة والسلام ولو لم يرد كونه لمنع من ذلك كما منع من كون كل ما لم يرد أن يكون. قال أبو محمد: ويكفي من هذا كله اجتماع الأمة على قول ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن فهذا على عمومه موجب أن كل ما في العالم كان أو يكون أي شيء كان فقد شاء الله تعالى وكل ما لم يكن ولا يكون فلم يشأه الله تعالى وقد نص الله تعالى نصاً لا يحتمل تأويلاً على أنه تعالى أراد كون كل ذلك فمن ذلك قوله تعالى: " قال أبو محمد: وهذه الآية غاية في البيان لأن الله تعالى جعل عدة ملائكة النار فتنة للذين كفروا وليقولوا ماذا أراد الله بهذا مثلاً فأخبر تعالى أراد أن يفتن الذين كفروا وأن يضلهم فيضلوا وأنه تعالى قصد إضلالهم وحكم بذلك كما قصد هدى المؤمنين وأراده وكذلك قال تعالى: " قال أبو محمد: فنص تعالى على أنه نزل القرآن هدى للمؤمنين وعمي للكفار و بيقين ندري أنه تعالى إذا نزل القرآن أراد أن يكون كما قال تعالى عمي للكفار وهدى للمؤمنين وقال تعالى: " قال أبو محمد: هذا في غاية الفساد لأن الله تعالى لو أمرنا بذلك لم يكن عوداً في ملة الكفر بل كان يكون ثباتاً على الإيمان وتزايداً فيها وقال تعالى: " قال أبو محمد: وهذا غاية البيان في أنه تعالى لم يرد ان يطهر قلوبهم وبالضرورة ندري أن من يرد الله أن يطهر قلبه فقد أراد فساد دينه الذي هو ضد طهارة القلب وقال تعالى: " قال أبو محمد: هذا غاية البيان في أنه تعالى لم يشأ هدى الكفار لكن حق قوله بأنهم لا بد من أن يكفروا فيكونوا من أهل جهنم وقال تعالى: " قال أبو محمد: ونسألهم عما مضت الدنيا عليه منذ كانت من أولها إلى يومنا هذا من النصر النازل على ملوك أهل الشرك والملوك الجورة والظلم والغلبة المعطاة لهم على من ناوأهم من أهل الإسلام وأهل الفضل واحترام من أرادهم بالموت أو باضطراب الكلمة ويأت النصر لهم بوجوه الظفر الذي لا شك في أن الله تعالى فاعله من أماته أعدائهم من أهل الفضل وتأييدهم عليهم وهذا ما لا مخلص لهم في أن الله تعالى فاعله من أماته من أهل الفضل وتأييدهم عليهم وهذا ما لا مخلص لهم في أن الله تعالى أراد كونه وقال عز وجل: " قال أبو محمد: فإن قال قائل فإن الله عز وجل قال في الذين قعدوا عن الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قال أبو محمد: فإذ جاءت النصوص كما ذكرنا متظاهرة لا تحتمل تأويلاً بأنه عز وجل أراد ضلال من ضل وشاء كفر من كفر فقد علمنا ضرورة أن كلام الله تعالى لا يتعارض فلما اخبر عز وجل أنه لا يرضى لعباده الكفر فبالضرورة علمنا أن الذي نفا عز وجل هو غير الذي اثبت فإذ لا شك في ذلك فالذي نفى تعالى هو الرضى بالكفر والذي أثبت هو الإرادة لكونه والمشيئة لوجوده وهما معنيان متغايران بنص القرآن وحكم اللغة فإن أبت المعتزلة من قبول كلام ربهم وكلام نبيهم صلى الله عليه وسلم وكلام إبراهيم ويوسف وشعيب وسائر الأنبياء صلى الله عليهم وسلم وأبت أيضاً من قبول اللغة وما أوجبته البراهين الضرورية مما شهدت به الحواس والعقول من الله تعالى لو لم يرد كون ما هو موجود كائن لمنع منه وقد قال تعالى " قال أبو محمد: وهذا تجاهل ظاهر وراجع لنا عليهم سواء بسواء في خلق الله تعالى أفعال عباده ثم يعذبهم عليها ولا فرق فكيف وهذا كله لا معنى له بل الآيات كلها حق على ظاهرها لا يحل صرفها عنه لأن الله تعالى قال: " قال أبو محمد: ولا فرق بين ما تلونا من الآيات في أن الله تعالى شاء كون الكفر والضلال وبين قوله تعالى " قال أبو محمد: فإن اعترضوا بقول الله عز وجل وقالوا: " قال أبو محمد: فلما قالوا أصدق الكلام وهو الشهادة لمحمد صلى الله عليه وسلم بأنه رسول غير معتقدين لذلك سماهم الله تعالى كاذبين وهكذا فعل عز وجل في قولهم لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم قالوا هذا الكلام الذي هو الحق غير عالمين بصحته أنكر تعالى عليهم أن يقولوه متخرصين وبرهان هذا قول الله تعالى أثر هذه الآية نفسها: " قال أبو محمد: فإن سكتوا ها هنا لم يهنهم التمويه وقلنا لهم صلوا القراءة وأتموا معنى الآية فإن بعد قوله تعالى: " قال أبو محمد: فآخر هذه الآية يبين أولها وذلك أن الله تعالى أيضاً لم يكذبهم فيما قالوه من ذلك بل حكى عز وجل انهم قالوا: " قال أبو محمد: إنما تلونا جميع الآيات على نسقها في القرآن واتصالها خوف أن يعترضوا بالآية ويسكتوا عند قوله يخرصون فكثيراً ما احتجنا إلى بيان مثل هذا من الاقتصار على بعض الآية دون بعضها من تمويه من لا يتقي الله عز وجل. قال أبو محمد: وهذه الآية من أعظم حجة على القدرية لأنه تعالى لم ينكر عليهم قولهم: " قال أبو محمد: تباً لمن عارض أمر ربه تعالى واحتج عليه بل لله الحجة البالغة ولو شاء لأطعم من ألزمنا إطعامه ولو شاء لهدى الكافرين فآمنوا ولكنه تعالى لم يرد ذلك بل أراد أن يعذب من لا يطعم المسكين ومن أضله من الكافرين لا يسأل عما يفعل وهم يسألون وحسبنا الله ونعم الوكيل وقالت المعتزلة معنى قوله تعالى: " قال أبو محمد: وهذا تأويل جمعوا فيه بلايا جمة أولها أنه قول بلا برهان ودعوى بلا دليل وما كان هكذا فهو ساقط ويقال لهم ما صفة الإيمان الضروري الذي لا يستحق عليه الثواب عندكم وما صفة الإيمان غير الضروري الذي يستحق به الثواب عندكم فإنهم لا يقدرون على فرق أصلاً إلا أن يقولوا هو مثل ما قال الله عز وجل إذ يقول تعالى: " قال أبو محمد: فيقال لهم كل هذه الآيات حق وقد شاهدت الملائكة تلك الآيات وتلك الأحوال ولم يبطل بذلك قبول إيمانهم فهلا على أصولكم صار إيمانهم إيمان اضطرار لا يستحقون عليه جزاء في الجنة أما صار جزاؤهم عليه أفضل من جزاء كل مؤمن دونهم وهذا لا مخلص لهم منه أصلاً ثم نقول لهم أخبرونا عن إيمان المؤمنين إذ صح عندهم صدق النبي بمشاهدة المعجزات من شق القمر وإطعام النفر الكثير من الطعام اليسير ونبعان الماء الغزير من بين الأصابع وشق البحر وإحياء الموتى وأوضح كل ذلك بنقل التواتر الذي به صح ما كان قبلنا من الوقائع والملوك وغير ذلك مما يصير فيه من بلغه كمن شاهده ولا فرق في صحة اليقين لكونهم هل إيمانهم إلا إيمان يقين قد صح عندهم وأنه حق ولم يتخالجهم فيه شك فإن علمهم به كعلمهم أن ثلاثة أكثر من اثنين وكعلمهم ما شاهدوه بحواسهم في أنه كله حق وعلموه ضرورة أم إيمانهم ذلك ليس يقيناً مقطعوعاً بصحة ما آمنوا به عنده كقطعهم على صحة ما علموه بحواسهم ولا سبيل إلى قسم ثالث فإن قالوا بل هو الآن يقين قد صح علمهم بأنه حق لا مدخل للشك فيه عندهم كتيقنهم صحة ما علموه بمشاهدة حواسهم قلنا لهم نعم هذا هو الإيمان الاضطراري بعينه وإلا ففرقوا وهذا الذي موهتم بأنه لا يستحق عليه من الجزاء كالذي يستحق على غيره وبكل تمويهكم بحمد الله تعالى إذ قلتم ان معنى قوله تعالى لجمعهم على الهدى ولآمن من في الأرض إنه كان يضطرهم إلى الإيمان فإن قالوا بل ليس إيمان المؤمنين هكذا ولا علمهم بصحة التوحيد والنبوة على يقين وضرورة قيل لهم قد أوجبتم أن المؤمنين على شك في إيمانهم وعلى عدم يقين في اعتقادهم وليس هذا إيماناً بل كفر مجرد ممن كان دينه هكذا فإن كان هذا صفة إيمان المعتزلة فهم أعلم بأنفسهم وأما نحن فإيمانناولله الحمد إيمان ضروري لا مدخل للشك فيه كعلمنا أن ثلاثة أكبر من اثنين وأن كل بناء فمبني وكل من أتى بمعجزة فمحق في نبوته ولا نبالي إن كان ابتداء علمنا استدلالاً أم مدركاً بالحواس إذ كانت نتيجة كل ذلك سواء في تيقن صحة الشيء المعتقد وبالله تعالى التوفيق ثم نسألهم عن الذين يرون بعض آيات ربنا يوم لا ينفع نفساً إيمانها أكان الله تعالى قادراً على أن ينفعهم بذلك الإيمان ويجزيهم عليه جزاءه لسائر المؤمنين أم هو تعالى غير قادر على ذلك فإن قالوا بل هو قادر على ذلك رجعوا إلى الحق والتسليم لله عز وجل وأنه تعالى منع من شاء وأعطى من شاء وأنه تعالى أبطل إيمان بعض من آمن عند رؤية آية من آياته ولم يبطل إيمان من آمن عند رؤية آية أخرى وكلها سواء في باب الإعجاز وهذا هو المحاباة المحضة والجور البين عند المعتزلة فإن عجزوا ربهم تعالى عن ذلك أحالوا وكفروا وجعلوه تعالى مضطراً مطبوعاً محكوماً عليه تعالى الله عن ذلك. قال أبو محمد: وقد قال عز وجل: " قال أبو محمد: وأصدق الله عز وجل أنا عن نفسي التي هو أعلم بما فيها مني أن الله تعالى يعلم أني لأسر بموت عقبة بن أبي معيط كافراً وكذلك أمر أبي لهب لأذاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ولتتم كلمة العذاب عليهما وأن المرء ليسر بموت من استبلغ في أذاه ظلماً بأن يموت على أقبح طريقة وقد روينا هذا عن بعض الصالحين في بعض الظلمة ولا حرج على من ائتسى بمحمد وبموسى وبأفضل ابني آدم صلى الله عليه وسلم وليت شعري أي فرق بين لعن الكافر والظالم والدعاء عليه بالعذاب في النار وبين الدعاء عليه بأن يموت غير متوب عليه والمسرة بكلا الأمرين وحسبنا الله ونعم الوكيل وقال عز وجل: " قال أبو محمد: وقال بعض شيوخ المعتزلة أن إسلام الله تعالى من أسلم من الأنبياء إلى أعدائه فقتلوهم وجرحوهم وإسلام من أسلم من الصبيان إلى أعدائه يحضونهم ويغلبونهم على أنفسهم بركوب الفاحشة إذا كان ليعوضهم أفضل الثواب فليس خذلاناً فقلنا دعونا من لفظة الخذلان فلسنا نجيزها لأن الله تعالى لم يذكرها في هذا الباب لكنا نقول لكم إذا كان قتل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أعظم ما يكون من الكفر وكان الله عز وجل بقولكم قد أسلم أنبياؤه صلوات الله عليهم إلى أعدائه ليعوضهم أجل عوض فقد أقررتم بزعمكم أن الله عز وجل أراد إسلامهم إلى أعدائهم وإذا أراد الله عز وجل ذلك بإقراركم فقد أراد بإقراركم كون أعظم ما يكون من الكفر وشاء وقوع أعظم الضلال ورضي ذلك لأنبيائه عليهم السلام على الوجه الذي تقولونه كائناً ما كان وهذا لا مخلص لهم منه وأيضاً فنقول لهذا القائل إذا كان إسلام الأنبياء إلى أعداء الله عز وجل يقتلونهم ليس ظلماً أو عبثاً على توجيهكم المناقض لأصولكم في أنه أدى إلى أجزل الجزاء فليس خذلاناً وكذلك إسلام المسلم إلى عدوه يحضه ويرتكب فيه الفاحشة فهو على أصولكم خير وعدل فيلزمكم أن تتمنوا ذلك وأن تسروا بما نيل من الأنبياء عليهم السلام في ذلك وأن تدعوا فيه إلى الله تعالى وهذا خلاف قولكم وخلاف إجماع أهل الإسلام وهذا لا مخلص لهم منه ولا يلزمنا نحن ذلك لأننا لا نسر إلا بما أمرنا الله تعالى بالسرور به ولا نتمنى إلا ما قد أباح لنا تعالى أن ندعوه فيه وكل فعله عز وجل وإن كان عدلاً منه وخيراً فقد افترض تعالى علينا أن ننكر من ذلك ما سماه من غيره ظلماً وأن نبرأ منه ولا نتمناه لمسلم فإنما نتبع ما جاءت به النصوص فقط وبالله تعالى التوفيق وقال قائل من المعتزلة إذا حملتم قول تعالى: " قال أبو محمد: فجوابنا وبالله تعالى التوفيق أن الله تعالى قد نص على انه لا يكون عمى إلا على الذين لا يؤمنون ونحن مؤمنون ولله تعالى الحمد فقد أمنا ذلك وقد ذم الله تعالى قوماً حملوا القرآن على غير ظاهره فقال تعالى: " قال أبو محمد: ومن نوادر المعتزلة وعظيم جهلها وحماقتها وإقدامها أنهم قالوا أن الشهادة التي غبط الله تعالى بها الشهداء وأوجب لهم بها أفضل الجزاء وتمناها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وفضلاء المسلمين ليس هي قتل الكافر للمؤمن ولا قتل الظالم للمسلم البريء. قال أبو محمد: وجنون المعتزلة وجهلهم و إهذارهم ووساوسهم لا قياس عليها وحق لمن استغنى عن الله عز وجل وقال أنه يقدر على ما لا يقدر عليه ربه تعالى وقال أن عقله كعقول الأنبياء عليهم السلام سواء بسواء أن يخذله الله عز وجل مثل هذا الخذلان نعوذ بالله من خذلانه ونسأله العصمة فلا عاصم سواء أما سمعوا قول الله عز وجل: " قال أبو محمد: وفي هذا الكلام من الجنون ثلاثة أضرب أحدها أنه كلام مبتدع لم يقبله أحد قبل متأخريهم المنسلخين من الخير جملة والثاني أنه لو وضح ما ذكروا لكانت الشهادة في الحياة لا بالموت لأن الصبر على الجراح والعزم على التقدم لا يكونان إلا في الحياة والشهادة في سبيل الله لا تكون بنص القرآن وصحيح الأخبار وإجماع الأمة إلا بالقتل والثالث أن الذي منه هربوا فيه وقعوا بعينيه وهو أن الشهادة التي تمنى المسلمون بها أن كانت العزم على التقدم إلى الحرب والصبر على الجراح المؤدية إلى القتل فقد حصل تمني قتل الكفار للمسلمين وتمني أن يجرحوا المسلمين جراحاً تؤدي إلى القتل وتمني ثبات الكفار على الكفر حتى يجرحوا أهل الإسلام جراحاً قاتلة وحرب الكفار للمسلمين للمسلمين وثباتهم لهم وجراحهم إياهم معاص وكفر بلا شك فقد حصلوا على تمني المعاصي وهو الذي به شنعوا وبالله تعالى التوفيق فبطل كل ما شنعت به المعتزلة والحمد لله رب العالمين كثيراً. قال أبو محمد: وضل جمهور المعتزلة في فصل من القدر ضلالاً بعيداً فقالوا بأجمعهم حاشا ضرار بن عمرو وحفصاً الفرد وبشر بن المعتمر ويسيراً ممن اتبعهم أنه ليس عند الله تعالى شيء أصلح مما أعطاه جميع الناس كافرهم ومؤمنهم ولا عنده هدي أهدى مما قد هدى به الكافر والمؤمن هداً مستويا وأنه ليس يقدر على شيء هو أصلح مما فعل بالكفار والمؤمنين ثم اختلف هؤلاء فقال جمهورهم أنه تعالى قادر على أمثال ما فعل من الصلاح بلا نهاية وقال الأقل منهم وهم عباد ومن وافقه هذا باطل لأنه لا يجوز أن يترك الله تعالى شيئاً يقدر عليه من الصلاح من أجل فعله لصلاح ما وحجتهم في هذا الكفر الذي أتوا به أنه لو كان عنده أصلح أو أفضل مما فعل بالناس ومنعهم إياه لكان بخيلاً ظالماً لهم ولو أعطى شيئاً من فضله بعض الناس دون بعض لكان محابياً ظالماً والمحاباة جور ولو كان عنده ما يؤمن به الكفار إذاً أعطاهم إياه ثم منعهم إياه لكان ظالماً لهم غاية الظلم قالوا وقد علمنا أن إنساناً لو ملك أموالاً عظيمة تفضل عنه ولا يحتاج إليها فقصده جار فقير له تحل له الصدقة فسأله درهماً يحيي به نفسه وهو يعلم فقره إليه ويعلم أنه يتدارك به رمقه فمنعه لا لمعنى فإنه بخيل قالوا فلو علم أنه إذا أعطاه الدرهم سهلت عليه أفعال كلفه إياها فمنعه من ذلك لكان بخيلاً ظالماً فلو علم أنه لا يصل إلى ما كلفه إلا بذلك الدرهم فمنعه لكان بخيلاً ظالماً سفيهاً فهذا كل ما احتجوا به لا حجة لهم غير هذه البتة وذهب ضرار بن عمرو وحفص الفرد وبشر بن المعتمر ومن وافقهم وهم قليل منهم إلى أن عند الله عز وجل ألطافاً كثيرة لا نهاية لها لو أعطاها الكفار لآمنوا إيماناً اختياريا يستحقون به الثواب بالجنة وقد أشار إلى نحو هذا ولم يحققه أبو علي الجباي وابنه أبو هاشم وكان بشر بن المعتمر يكفر من قال بالأصلح والمعتزلة اليوم تدعي أن بشراً تاب عن القول باللطف ورجع إلى القول بالأصلح. قال أبو محمد: وحجة هؤلاء أنه تعالى قد فعل بهم ما يؤمنون عنده لو شاؤوا فليس لهم عليه غير ذلك ولا يلزمه أكثر من ذلك فعارضهم أصحاب الأصلح بأن قالوا أن الاختيار هو ما يمكن فعله ويمكن تركه فلو كان الكفار عند إتيان الله تعالى بتلك الألطاف يختارون الإيمان لأمكن أن يفعلوه وأن لا يفعلوه أيضاً فعادت الحال إلى ما هي عليه إلا أن يقولوا أنهم كانوا يؤمنون ولا بد فهذا اضطرار من الله تعالى لهم إلى الإيمان لا اختيار قالوا ونحن لا ننكر هذا بل الله تعالى قادر على أن يضطرهم إلى الإيمان كما قال تعالى: " قال أبو محمد: هذا لازم لمن لم يقل أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى لزوماً لا ينفكون عنه وأما نحن فلا يلزمنا وإنما سألناهم هل الله تعالى قادر على أن يأتي الكفار بألطاف يكون منهم قال أبو محمد: كأن أصحاب الأصلح غيب عن هذا العالم أو كأنهم إذا حضروا فيه سلبت عقولهم وطمست حواسهم وصدق الله فقد نبه على مثل هذا إذ يقول تعالى: " قال أبو محمد: فانقطعوا فلجأ بعضهم إلى أن قال لعله قد سبق في علم الله تعالى أنه لو أماتهم صغاراً لكفر خلق من المؤمنين. قال أبو محمد: وفي هذا الجواب من السخافة وجوه جمة أولها أنه دعوى بالدليل والثاني أنهم لا ينفكون به مما ألزمناهم ونقول لهم كان الله عز وجل قادراً على أن يميتهم ولا يوجب موتهم كفر أحد فإن قالوا لا عجزوا ربهم تعالى وإن قالوا بل كان قادراً على ذلك ألزموه الجور والظلم على أصولهم ولا بد من أحد الأمرين والثالث أنه ما يسمع في العالم بأسخف من قول من قال أن إنساناً مؤمناً يكفر من أجل صغير مات فهذا أمر ما شوهد قط في العالم ولا توهم ولا يدخل في الإمكان ولا في العقل وكم طفل يموت كل يوم منذ خلق الله تعالى الدنيا إلى يوم القيامة فهل كفر أحد قط من أجل موت ذلك الطفل وإنما عهدنا الناس يكفرون عندما يقع لهم من الغضب الذي يخلقه الله عز وجل في طبائعهم وبالعصبية التي آتاهم الله عز وجل أسبابها وبالملك الذي أتاهم الله إياه إذا عارضهم فيه عارض والرابع أنه ليس في الجور ولا في العبث ولا في الظلم ولا في المحاباة أعظم من أن يبقي طفلاً حتى يكفر فيستحق الخلود في النار ولا يميته طفلاً فينجو من النار من أجل صلاح قوم لولا كفر هذا المنحوس لكفر أولئك وما في الظلم والمحاباة أقبح من هذا وهل هذا إلا كمن وقف إنساناً للقتل فأخذ هو آخر من عرض الطريق فقتله مكانه فظهر فساد هذا القول السخيف الملعون. قال أبو محمد: وقال بعضهم قد يخرج من صلبه مؤمنون. قال أبو محمد: وقد يموت الكافر عن غير عقب وقد يلد الكافر كفاراً أضر على الإسلام منه ومع هذا فكل ما ذكرنا يلزم أيضاً في هذا الجواب السخيف وأيضاً فقد يخرج من صلب المؤمن كافر طاغ وظالم باغ يفسد الحرث والنسل ويثير الظلم ويميت الحق ويؤسس القتالات والمنكرات حتى يضل بها خلق كثير حتى يظنوا أنها حق وسنة فأي وجه لخلق هؤلاء على أصول المعتزلة الضلال نعم وأي معنى وأي إصلاح في خلق إبليس ومردة الشياطين وإعطائهم القوة على إضلال الناس من الحكمة المعهودة بيننا وبالضرورة نعلم أن من نصب المصائد للناس في الطرقات وطرح الشوك في ممشاهم فإنه عائب سفيه فيما بيننا والله تعالى خلق كل ما ذكرنا بإقرارهم وهم الحكيم العليم ثم وجدناه تعالى قد شهد للذين بايعوا تحت الشجرة بأنه علم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم ثم أمات منهم من ولي منهم أمور المسلمين سريعاً ووهن قوي بعضهم وملك عليهم زياداً والحجاج وبغاة الخوارج فأي مصلحة في هذا للحجاج ولقطري أو لسائر المسلمين لو عقلت المعتزلة ولكن الحق هو قولنا وهو أن كل ذلك عدل من الله وحق وحكمة وهلاك ودمار وإضلال للحجاج المسلط ولقطري ونظايرهما أراد الله تعالى بذلك هلاكهم في الآخرة ونعوذ بالله من الخذلان ثم نسألهم ماذا تقولون إذا أمر الله عز وجل بجلد الحرة في الزنا ماية جلدة ويجلد الأمة نصف ذلك أليس هذا محاباة للأمة وإذا خول الله عز وجل قوماً أموالاً جمة فعاثوا فيها وحرم آخرين أما هذا عين المحاباة والجور على أصلهم الفاسد فيمن منع جاره الفقير إلا أن يطردوا قولهم فيصير إلى قول من ذكر أن الواجب يواسي الناس في الأموال والنساء على السوا وبالجملة فإن القوم يدعون نفي التشبيه ويكفرون من شبه الله تعالى بخلقه ثم لا نعلم أحداً أشد تشبيهاً لله تعالى بخلقه منه فيلزمونه الحكم ويحرون عليه لأمر والنهي ويشبهونه بخلقه تعالى فيما يحسن منه ويقبح ثم نقضوا أصولهم إذ من قولهم أن ما صلح بيننا بوجه من الوجوه فلسنا نبعده عن الباري تعالى ونحن نجد فيما بيننا يحابي أحد عبيده على الآخر فيجعل أحدهم مشرفاً على ماله وعياله وحاضناً لولده ويرتضيه لذلك من صغره بأن يعلمه الكتاب والحساب ويجعل الآخر رائضاً لدابته وجامعاً للزبل لبستانه ومنقياً لحشه ويرتضيه لذلك من صغره وكذلك الإماء فيجعل إحداهن محل إزاره ومطلباً لولده ويجعل الثانية خادماً لهذه في الطبخ والغسل وهذا عدل بإجماع المسلمين كلهم فلم أنكروا أن يحابى الباري من شاء من عباده بما أحب من التفضيل ووجدوا في الشاهد من يعطي المحاويج من ماله فيعطي أحدهم ما يغنيه ويخرجه عن الفقر وذلك نحو ألف دينار ثم يعطي آخر مثله ألف دينار ويزيد هألف دينار فإنه وإن حابى فمحسن غير ملوم فلم منعوا ربهم من ذلك وجوروه إذا فعله وهو تعالى بلا شك أتم ملكاً لكل ما في العالم من أحدنا لما خوله عز وجل من الأملاك ونقضوا أصلهم في أن ما حسن في الشاهد بوجه من الوجوه لم يمنعوا وقوعه من الباري جل وعز ووجدوا في الشاهد من يدخر أموالاً عظيمة فيؤدي جميع الحقوق اللازمة له حتى لا يبقى بحضرته محتاج ثم يمنع سائر ذلك فلا يسمى بخيلاً فلأي شيء منعوا ربهم جل وعز من مثل ذلك وجوروه وبخلوه إذا لم يعط أفضل ما عنده وهذا كله بين لا إشكال فيه. قال أبو محمد: ونسألهم عن قول لهم عجيب وهو أنهم أجازوا أن يخلق الله عز وجل أضعف الأشياء ثم لا يكون قادراً على أضعف منه فهكذا هو قادر فاعل أصلح الأشياء ثم لا يكون قادر على أصلح منه وعلى أصغر الأشياء وهو الجزء الذي لا يتجزأ ولا يقدر على أصغر منه. قال أبو محمد: هذا إيجاب منهم لتناهي قدرة الله عز وجل وتعجيز له تعالى وإيجاب لحدوثه وإبطال إلاهيته إذ التناهي في القوة صفة المحدث المخلوق لا صفة الخالق الذي لم يزل وهذا خلاف القرآن وإجماع المسلمين وتشبيه الله تعالى بخلقه في تناهي قدرتهم. قال أبو محمد: ولكنه لازم لكل من قال بالجزء الذي لا يتجزأ وبالقياس لزوماً صحيحاً لا انفكاك لهم منه ونعوذ بالله من هذه المقالات المهلكة بل نقول أن الله تعالى كل ما خلق شيئاً صغيراً أو ضعيفاً أو كبيراً أو قوياً أو مصلحة فإنه أبداً بلا نهاية قادر على خلق أصغر منه وأضعف وأقوى وأصلح. قال أبو محمد: ونسألهم أيقدر الله تعالى على ما لو فعله لكفر الناس كلهم فإن قالوا لا لحقوا بعلي الأسواري وهم لا يقولون بهذا ولو قالوه لأكذبهم الله تعالى إذ يقول: " قال أبو محمد: ونسأل من قال منهم أنه تعالى يقدر على مثل ما فعل من الصلاح بلا نهاية لا على أكثر من ذلك فنقول لهم أن على أصولكم لم تنفكوا من تجوير الباري جل وعز لأن بضرورة الحس ندري إذا استضافت المصالح بعضها إلى بعض كانت أصلح من انفراد كل مصلحة على الأخرى فإذا هو قادر عندكم على ذلك ولم يفعله بعباده فقد لزمه ما ألزمتموه لو كان قادراً على أصلح مما فعل ولم يفعله فقالوا هذا كالدواء والطعام والشراب لكل ذلك مقدار يصلح به من أعطيه فإذا استضافت إليه أمثاله كان ضرراً قال علي رضي الله عنه ولم يقل قط ذو عقل ومعرفة بحقايق الأمور إن غفار كذا مصلحة جملة وعلى كل حال ولا أن الأكل مصلحة أبداً وعلى الجملة ولا أن الشراب مصلحة بكل وجه أبداً وإنما الحق أن مقداراً من الدواء مصلحة لعلة كذا فقط فإن زاد أو نقص أو تعدى به تلك لعلة كان ضرراً وكذلك الطعام والشراب هما مصلحة في حال ما وبقدر ما فما زاد أو تعدى به وقته كان ضرراً ليس إطلاق اسم الصلاح في شيء من ذلك أولى من إطلاق اسم الضرر لأن كلا الأمرين موجود في ذلك كما ذكرنا وليس الصلاح من الله عز وجل للعبد والهدى له والخير من قبله عز وجل كذلك بل على الإطلاق والجملة وعلى كل حال بل كلما زاد الصلاح وكثر الهدى وكبر وزاد الخير وكبر فهو أفضل فإن قالوا نجد الصلاة والصيام إثماً في وقت ما وأجراً في آخر قلنا ما كان من هذا منهياً عنه فليس صلاحاً البتة ولا هو هدى ولا خير بل هو إثم وخذلان وضلال وليس في هذا كلمنا كم لكن فيما هو صلاح حقيقة وهدى حقيقة وخير حقيقة وهذا ما لا مخلص منه. قال أبو محمد: وقال أصحاب الأصلح منهم أن من علم الله تعالى أنه يؤمن من الأطفال إن عاش أو يسلم من الكفار إن عاش أو يتوب من الفساق إن عاش فإنه لا يجوز البتة أن يميته الله قبل ذلك قالوا وكذلك من علم الله تعالى أنه إن عاش فعل خيرا فلا يجوز البتة أن يميته الله قبل فعله قالوا ولا يميت الله تعالى أحداً إلا وهو يدري أنه إن أبقاه طرفة عين فما زاد فإنه لا شيئاً من الخير أصلاً بل يكفر أو يفسق ولا بد. قال أبو محمد: وهذا من طوامهم التي جمعت الكفر والسحق ولم ينفكوا بها فما فروا عنه من تجوير الباري تعالى بزعمهم وأما الكفر فإنه يلزمهم أن إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو بلغ لكفر أو فسق وليت شعري إذ هذا عندهم كما زعموا فلم أمات بعضهم أثر ولادته ثم آخر بعد ساعة ثم يوم ثم يومين وهكذا شهراً بعد شهر وعاماً بعد عام إلى أن أمات بعضهم قبل بلوغه بيسير وكلهم عندهم سواء في أنهم لو عاشوا لكفروا أو فسقوا كلهم وإذ عنى بهم هذه العناية فلم أبقى من الأطفال من درى أنه يكفر ويفسق نعم ويؤتيهم القوى والتدقيق في الفهم كالفيومي سعيد بن يوسف والمعمس داود بن قزوان وإبراهيم البغدادي وأبي كثير الطبراني متكلمي اليهود وأبي ربطه اليعقوبي ومقرونيش الملكي من متكلمي النصارى وقردان بخت المثاني حتى أضلوا كثيراً يشبههم وتمويهاتهم ومخارفتهم ولا سبيل إلى وجود فرق أصلاً وهذا محاباة وجور على أصولهم ثم نجده تعالى قد عذب بعض هؤلاء الأطفال باليتم والقمل والعرى والبرد والجوع وسوء المرقد والعمى والبطلان والأوجاع حتى يموتوا كذلك وبعضهم مرفه مخدوم منعم حتى يموت كذلك ولعلهما لأب وأم وكذلك يلزمهم أن أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً وسائر الصحابة رضي الله عنهم نعم ومحمد صلى الله عليه وسلم وموسى وعيسى وإبراهيم وسائر الرسل عليهم الصلوة والسلام أن كل واحد منهم لو عاش طرفة عين على الوقت الذي مات فيه لكفر أو فسق ولزمهم مثل هذا في جبريل وميكائيل وحملة العرش عليهم السلام إن كانوا يقولون بأنهم يموتون فإن تمادوا على هذا كفروا وقد صرح بعضهم بذلك جهارا وإن أبوا تناقضوا ولزمهم أن الله تعالى يميت من يدري أنه يزداد خيراً ويبقي من يدري أنه يكفر وهذا عندهم على أصولهم عين الظلم والعبث. قال أبو محمد: وأجاب بعضهم في هذا السؤال بأن قال أن النبي صلى الله عليه وسلم امتحنه الله عز وجل قبل موته بما بلغ ثوابه على طاعته فيه مبلغ ثوابه على كل طاعة تكون منه لو عاش إلى يوم القيامة. قال أبو محمد: وهذا جنون ناهيك به لوجوده أولها أنه محاباة مجردة له عليه السلام على غيره وهلا فعل ذلك بغيره وعجل راحتهم من الدنيا ونكدها وثانيها أن هذا القول كذب بحت وذلك أن المحن في العالم معروفة وهي إما في الجسم بالعلل وأما في المال بالإتلاف وأمل في النفوس بالخوف والهوان والهم بالأهل والأحبة والقطع دون الأمل لا محنة في العالم تخرج عن هذه الوجوه إلا المحنة في الدين فقط نعوذ بالله من ذلك فأما المحنة في الجسم فكذبوا وما مات عليه السلام إلا سليم الأعضاء سويها معافى من مثل محنة أيوب عليه السلام وسائر أهل البلاء نعوذ بالله منه وأما في المال فما شغله الله عز وجل منه بما يقتضي محنته في فضوله ولا أحوجه إلى أحد بل أقامه على حد الغنى بالقوت ووفقه لتنفيذ الفضل فيما يقر به من ربه عز وجل له: " وأما النفس فأي محنة لمن قال الله عز وجل له قال أبو محمد: ومما سئلوا عنه أن قيل لهم أليس قد علم الله تعالى أن فرعون والكفار إن أعاشهم كفروا فمن قولهم نعم فيقال لهم فلم أبقاهم حتى كفروا واخترم على قولكم من علم أنه إن عاش كفر وهذا تخليط لا يعقل ونقول لهم أيضاً أيما كان أصلح للجميع لا سيما لأهل النار خاصة أن يخترعنا الله تعالى كلنا في الجنة كما فعل بالملائكة وحور العين أم ما فعل بنا من خلقنا في الدنيا والتعريض للبلاء فيها وللخلود في النار. قال أبو محمد: فلحوا عند هذه فقال بعضهم لم يخلق الجنة بعد فقلنا لهم هبكم أن الأمر كما قلتم فإنما كان أصلح للجميع أن يجعل الله عز وجل خلقها ثم يخلقنا فيها أو يؤخر خلقنا حتى يخلقها ثم يخلقنا منها أما خلقه لنا حيث خلقنا فإن عجزوا ربهم جعلوه ذا طبيعة متناهي القدرة وشبهاً لخلقه وأبطلوا إلاهيته وجعلوه محيزاً ضعيفاً وهذا كفر مجرد ونفي السؤال أيضاً مع ذلك بحسبه أن يجعلنا كالملائكة وأن يجعلنا كلنا أنبياء كما فعل بعيسى ويحيى عليهما السلام وسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقال بعضهم ليس جهلنا بوجه المصلحة في ذلك مما يخرج هذا الأمر عن الحكمة فقلنا لهم فاقنعوا بمثل هذا بعينه فمن قال لكم ليس جهلنا بوجه المصلحة والحكمة في خلق الله تعالى لأفعال عباده وفي تكليفه الكافر والفاسق ما لا يطيق ثم يعذبهما على ذلك مما يخرجه عن الحكمة وهذا لا مخلص لهم منه. قال أبو محمد: وأما نحن فلا نرضى بهذا بل ما جهلنا ذلك لكن نقطع على أن كل ما فعله الله تعالى فهو عين الحكمة والعدل وأن من أراد إجراء أفعاله تعالى على الحكمة المعهودة بيننا فقد ألحدوا حظاً وضل وشبه الله عز وجل بخلقه لأن الحكمة والعدل بيننا إنما هما طاعة الله عز وجل فقط لا حكمة ولا عدل غير ذلك إلا ما امرنا به أي شيء كان فقط وأما الله تعالى فلا طاعة لأحد عليه فبطل أن تكون أفعاله جارية على أحكام العبيد المأمورين المربويين المسؤولين ما يفعلون لكن أفعاله تعالى جارية على العزة والقوة والجبروت والكبرياء والتسليم له وأن لا يسأل عما يفعل ولا مزيد كما قال تعالى وقد خاب من خالف ما قال الله عز وجل ومع هذا كله فلم يتخلصوا من رجوع وجوب التجوير والعبث على أصولهم على ربهم تعالى عن ذلك وقال متكلموهم لو خلقنا في الجنة لم نعلن مقدار النعمة علينا عن ذلك وقال متكلموهم لو خلقنا في الجنة لم نعلم مقدار النعمة علينا في ذلك وكنا أيضاً نكون غير مستحقين لذلك النعيم بعمل عملناه وإدخالنا الجنة بعد استحقاقنا لها أتم في النعمة وأبلغ في اللذة وأيضاً فلو خلقنا في الجنة لم يكن بد من التوعد على ما حظر علينا وليست الجنة دار توعد وأيضاً فإن الله تعالى قد علم أن بعضهم كان يكفر فيجب عليه الخروج من الجنة. قال أبو محمد: هذا كل ما قدروا عليه من السخف وهذا كله عائد عليهم بحول الله تعالى وقوته وعونه لنا فنقول وبالله تعالى التوفيق أما قولهم لو خلقنا في الجنة لم نعلم مقدار النعمة علينا في ذلك فإننا نقول وبالله تعالى نتأيد أكان الله تعالى قادراً على أن يخلقنا فيها ويخلق فينا قوة وطبيعة نعلم بها قدرة النعمة علينا في ذلك أكثر من علمنا بذلك بعد دخولنا فيها يوم القيامة أو كعلمنا ذلك أم كان غير قادر على ذلك فإن قالوا أكان غير قادر على ذلك عجزوا ربهم تعالى وجعلوا قوته متناهية يقدر على أمرنا ولا يقدر على غيره وهذا لا يكون إلا لعرض داخل أو لبنية متناهية القوة وهذا كفر مجرد وإن قالوا كان الله قادراً على ذلك أقروا بأنه عز وجل لم يفعل بهم أصلح ما عنده وأن عنده أصلح مما فعل بهم وأيضاً فإن كانوا أرادوا بذلك أن اللذة تعقب البلاء و التعب أشد سروراً وأبلغ لزمهم أن يبطلوا نعم الجنة جملة لأنه ليس نعيمها البتة كان الفتى لم يعر يوماً إذا اكتسى ولم يفتقر يوماً إذا ما تمولا فلزم على هذا الأصل أن يحدد الله عز وجل لأهل الجنة آلاماً فيها ليتجدد لهم بذاك وجود اللذة وهذا خروج عن الإسلام ويلزمهم أيضاً أن يدخل النبيين والصالحين النار ثم يخرجهم منها إلى الجنة فتضاعف اللذة والسرور أضعافاً بذلك ويقال لهم كنا نكون كالملائكة والحور العين فإن كانوا عالمين بمقدار ما هم فيه من نعيم ولذة فكنا نحن كذلك وإن كانوا غير عالمين بمقدار ما هم فيه من اللذة والنعيم فهلا أعطاهم هذه المصلحة ولأي شيء منعهم هذه الفضيلة التي أعطاها لنا وهم أهل طاعته التي لم تشب بمعصية فإن قالوا أإن الملائكة وحور العين قد شاهدوا عذاب الكفار في النار فقام لهم مقام الترهيب قلنا لهم هل المحاباة والجور إلا أن يعرض قوماً للمعطب ويبقيهم حتى يكفروا فيخلدوا في النار ليوعظ بهم قوم آخرون خلقوا في الجنة والرفاهية سرمداً أبداً لا بد وهل عين الظلم إلا هذا فيما بيننا على أصول المعتزلة وكمن يقول من الطغاة قتل الثلث في صلاح الثلثين صلاح وهل في الشاهد عبث وسفه أعظم من عبث من يقول لآخر هات أضربك بالسياط وأردك من جبل وأصفع في قفاك وأنتف سبالك وأمشيك في طريق ذات شوك دون راحة في ذلك ولا منفعة ولكن لا أعطيك بعد ذلك ملكاً عظيماً ولعلك في خلال ضربي إياك أن تتضرر فتقع في بئر منتنة لا خرج منها أبداً فأي مصلحة عند ذي عقل في هذا الحال لا سيما وهو قادر على أن يعطيه ذلك الملك دون أن يعرضه لشيء من هذا البلاء فهذه صفة الله عز وجل عند المعتزلة لا يستحقون من أن يصفوا أنفسهم بأن يصفوا الله تعالى بالعدل والحكمة. قال أبو محمد: وأما نحن فنقول لو أن الله تعالى أخبرنا أنه يفعل هذا كان بعينه ما أنكرناه ولعلمنا أنه منه تعالى حق وعدل وحكمة. قال أبو محمد: ومن العجب أن يكون الله تعالى يخلقنا يوم القيامة خلقاً لا نجوع فيه أبداً ولا نعطش ولا نبول ولا نمرض ولا نموت وينزع ما في صدورنا من غل ثم لا يقدر على أن يخلقنا فيها ولا على أن يخلقنا خلقاً نلتذ معه بابتدائنا كالتذاذنا بدخولها بعد طول النكد فهل يفرق بين شيء من هذا إلا من لا عقل له أو مستخف بالباري تعالى وبالدين وأما قولهم لو خلقنا الله تعالى في الجنة لكنا غير مستحقين لذلك النعيم فإنا نقول لهم أخبرونا عن الأعمال التي استحققتم بها الجنة عند أنفسكم أفبضرورة العقل علمتم أن من عملها فقد استحق الجنة ديناً واجباً على ربه تعالى أم لم تعلموا ذلك ولا وجب ذلك إلا حتى أعلمنا الله عز وجل أنه يفعل وجعل الجنة جزاء على هذه الأعمال فإن قالوا بالعقل عرفنا استحقاق الجنة على هذه الأعمال كابروا وكذبوا على العقل وكفروا لأنهم بهذا القول يوجبون الاستغناء عن الرسل عليهم الصلاة والسلام ولزمهم أن الله تعالى لم يجعل الجنة جزاء على هذه الأعمال لكن وجب ذلك عليه حتماً لا باختياره ولا بأنه لو شاء غير ذلك لكان له وهذا كفر مجرد وأيضاً فإن شريعة موسى عليه السلام في السبت وتحريم الشحوم وغير ذلك فقد كان الجنة جزاء على العمل بها ثم صارت الآن جهنم جزاء على العمل بها فهل ها هنا إلا أن الله تعالى أراد ذلك فقط ولو لم يرد ذلك لم يجب من ذلك شيء فإن قالوا بل ما علمنا استحقاق الجنة بذلك إلا بخبر الله تعالى أنه حكم بذلك فقط قيل لهم فقد كان الله تعالى قادراً على أن يخبرنا أنه جعل الجنة حقاً لنا يخترعنا فيها كما فعل بالملائكة وحور العين و أيضاً فقد كذبوا في دعواهم استحقاق الجنة بأعمالهم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من أحد ينجيه عمله أو يدخله الجنة عمله ولا أنت يا رسول الله ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه أو كلاماً هذا معناه و أيضاً فبضرورة العقل ندري أن ما زاد على المماثلة في الجزاء فيما بيننا فإنه تفضل مجرد في الإحسان وجور في الإساءة هذا حكم المعهود في العقل فعل أصول المعتزلة يلزمهم أن بقاء أحدنا في الجنة أو في النار أكثر من مثل مدة إحسانه أو إساءته جزاء على ما سلف منه فضل مجرد وعقاب زايد على مقدار الجرم وقد فعله الله عز وجل بلا شك وهو عدل منه وحكمة وحق. قال أبو محمد: وأما قولهم أن دخول الجنة على وجه الجزاء على العمل أعلى درجة وأسنى رتبة من دخولها بالتفضل المجرد فنقول لهم وبالله تعالى التوفيق هذا خطأ محض لأننا قد علمنا أن هذا الحكم إنما يقع بين الأكفاء والمتماثلين وأما الله فليس له كفواً أحد ومن كان عبداً لآخر فإن إقبال السيد عليه بالتفضل عليه المجرد والاختصاص والمحاباة أسنى له وأعلى وأشرف لرتبته وأرفع لدرجته من أن لا يعطيه شيئاً بمقدار ما يستحقه لخدمته ويستخبره إياه هذا ما لا ينكره إلا معاند فكيف وليس لأحد على الله حق وحينئذ كل ما وهبه الله تعالى لأحد من أنبيائه وملائكته عليهم السلام وكل ما أخبر تعالى أنه أوجبه وكتبه على نفسه وجعله حقاً لعباده فكل ذلك تفضل مجرد من الله عز وجل واختصاص مبتدأ لو لم ينعم به عز وجل لم يجب عليه شيء منه لا يقول غير هذا إلا مدخول الدين فاسد العقل. قال أبو محمد: وهم يقرون أن الملائكة أفضل من الأنبياء عليهم جميعهم السلام وصدقوا في هذا ثم نقضوا هذا الأصل بأصلهم هذا السخيف من قولهم أن من دخل الجنة بعد التعريض للبلاء فهو أفضل من ابتداء النعمة والتقريب فنحن على قولهم أفضل من الملائكة على جميعهم السلام وقد قالوا أن الملائكة أفضل من الأنبياء فعلى هذا التقرير يجب أن يكون نحن أفضل من الملائكة بدرجة وأفضل من النبيين بدرجتين وهذا كفر مجرد وتناقض ظاهر وأما قولهم أننا لو خلقنا في الجنة لم يكن بد من التوعد والتحذر فإننا نقول لهم وبالله تعالى التوفيق حتى لو كان ما يقولون لما منع من ذلك أن يخلقوا في الجنة ثم يطلعوا منها فيروا النار ويعاينوا وحشتها وهولها وقبحها ونفار النفوس عنها كالذي يعرض لنا عند الاطلاع على الغير أن العميقة المظلمة وإن كنا قط لم نقع فيها ولا شاهدنا من وقع فيها بل ذلك كان يكون أبلغ في التحذير من وصفها دون رؤية لكن كما فعل بالملائكة وحور العين فيكون ذلك أدعى لهم إلى الشكر والحمد والاغتباط بمكانهم واجتناب ما نهوا عنه خوف مفارقة ما قد حصلوا عليه ثم نقول لهم أيضاً قولوا هذا فهم بعد دخولهم الجنة أمباح لهم الكفر والشتم والضرب فيما بينهم أم محظور عليهم لزمهم تمادي التوعد والتحذير هنالك قلنا نكون لو اخترعنا فيها على الحال التي تكون فيها يوم القيامة ولا فرق وكان يكون أصلح لجميعنا بلا شك فإن قالوا قد سبقت الطاعة في الدنيا قيل لهم وكذلك كانت تسبق منهم في الجنة كالملائكة سواء بسواء وهم لا يقولون أن المعاصي والتضارب والتلاطم والتراكض والتشاتم مباح لهم في الجنة ولا يقولون هذا أحد فيحتاج إلى كسر هذا القول فإن لجؤوا إلى قول أبي الهذيل أن أهل الجنة مضطرون لا مختارون قيل لهم وكنا نكون فيها كذلك أيضاً كما نكون يوم القيامة فيها فهذا كان أصلح للجميع بلا شك وهذا ما لا انفكاك لهم منه. قال أبو محمد: وأما قولهم أن الله علم أن بعضهم يكفر ولا بد فيجب عليه الخروج من الجنة قلنا لهم أيقدر الله على خلاف ما علم أم لا فإن قالوا نعم يقدر ولكن لا يفعل أقروا أنه فعل من ترك ابتداءنا في الجنة إمضاء لما سبق في علمه غير ما كان أصلح لنا بلا شك ورجعوا إلى الحق الذي هو قولنا أنه تعالى فعل ما سبق في علمه من تكليف ما لا يطاق ومن خلقه تعالى الكفر والظلم وإنعامه على من شاء وحده لا شريك له وتركوا قولهم في الأصلح وإن قالوا لا يقدر على غير ما علم أن يفعله جعلوه محيراً مضطراً عاجزاً متناهي القوة ضعيف القدرة محدثاً في أسوأ حالة منهم وهذا كفر وخلاف للقرآن ولإجماع المسلمين ونعوذ بالله من الخذلان. قال أبو محمد: ونسألهم أي مصلحة للحشرات والكلاب والبق والدود في خلقها حشرات ولم يخلقها ناساً مكلفين معرضين لدخول الجنة فإن قالوا لو جعلنا ناساً لكفروا قيل لهم فقد جعل الكفار ناساً فكفروا فهلا نظر لهم كما نظر للدود والحشرات فجعلهم حشرات لئلا يكفروا فكان أصلح لهم على قولكم وهذا ما لا مخلص منه. قال أبو محمد: ونسألهم فنقول لهم إذا قلتم أن الله تعالى لا يقدر على لطف لو أتى به الكفار لآمنوا إيماناً يستحقون معه الجنة لكنه قادر على أن لا يضطرهم إلى الإيمان أخبرونا عن إيمانكم تستحقون به الثواب هل يشوبه عندكم شك أم يمكن بوجه من الوجوه أن يكون عندكم باطلاً فإن قالوا نعم يشوبه شك ويمكن أن يكون باطلاً أقروا على أنفسهم بالكفر وكفونا مؤنتهم وإن قالوا لا يشوبه شك ولا يمكن البتة أن يكون باطلاً قلنا لهم هذا هو الاضطرار بعينه ليست الضرورة في العلم شيئاً غير هذا إنما هو معرفة لا يشوبها شك لا يمكن اختلاف ما عرف بها فهذا هو علم الضرورة نفسه وما عدا هذا فهو ظن وشك فإن قالوا أن الاضطرار ما علم بالحواس أو بأول العقل وما عداه فهو ما عرف بالاستدلال قلنا هذه دعوى فاسدة لأنها بلا برهان وما كان هكذا فهو باطل وتقسيمنا هو الحق الذي يعرف ضرورة وبالله تعالى التوفيق. قال أبو محمد: ونسألهم أيما كان أصلح للعالم أن يكون برياً من السباع والأفاعي والدواب العادية أو أن يكون فيه كما هي مسلطة على الناس وعلى سائر الحيوان وعلى الأطفال فإن قالوا خلق الله الأفاعي والسباع كخلق الحفر والحرث ومزجرة للكفار. قال أبو محمد: وهذا من ظريف الجنون ولقد ضل بخلقتها جموع من المخذولين ممن جرى مجرى المعتزلة في أن يتعقبوا على الله عز وجل فعله كالمنانية والمجوس اللذين جعلوا إلهاً خالقاً غير الحكيم العدل ثم نقول للمعتزلة إن كانت كما تقولون مصلحة فكان الاستكثار من المصلحة أصلح وأبلغ في الزجر والتحريف وكل هذه الدعاوي منهم حماقات ومكابرات بلا برهان ليست أجوبتهم فيها بأصح من أجوبة المنانية والمجوس وأصحاب التناسخ بل كلها جارية في ميدان واحد من أنها كلها دعاوى فاسدة بلا برهان ينقضها وكلها راجعة إلى أصل واحد وهو تعليل أفعال الله عز وجل الذي لا علة لها أصلاً والحكم عليه بمثل الحكم على خلقه فيم يحسن منه ويقبح تعالى الله عن ذلك. قال أبو محمد: ويقال لأصحاب الأصلح خاصة ما معنى دعائكم في العصمة وأنتم تقولون أن الله تعالى قد عصم الكفار كما عصم المؤمنين فلم يعتصموا وما معنى دعائكم في الإعادة من الخذلان وفي الرغبة في التوفيق وأنتم تقولون أنه ليس عنده أفضل مما قد أعطاكموه ولا في قدرته زيادة على ما قد فعله بكم وأي معنى لدعائكم في التوبة وأنتم تقطعون على أنه لا يقدر على أن يعينكم في ذلك بمقدار شعرة زائدة على ما قد أعطاكموه فهل دعاؤكم في ذلك الإضلال وهزل وهزء كمن دعا إلى الله أن يجعله من بني آدم أو أن يجعل النبي نبياً والحجر حجراً وهل بين الأمرين فرق فإن قالوا أن الدعا عمل أمرنا الله تعالى به فقيل لهم إن أوامره تعالى من جملة أفعاله بلا شك وأفعاله عندكم تجري على ما يحسن في العقل ويقبح فيه في المعهود وفيما بيننا وعلى الحكمة عندكم وقد علمنا أنه لا يحسن في الشاهد بوجه من الوجوه أن يأمر أحداً يرغب إليه فيما ليس بيده ولا فيما قد أعطاه إياه وكلا هذين الوجهين عبث وسفه وهم مقرون بأجمعهم أن الله تعالى حكم بهذا وفعله وهو أمره لهم بالدعاء إليه أما فيما لا يوصف عندهم بالقدرة عليه وأما فيما قد أعطاهم إياه وهو عندهم عدل وحكمة فنقضوا أصلهم الفاسد بلا شك وأما نحن فإننا نقول أن الدعاء عمل أمرنا الله عز وجل به فيما يقدر عليه ثم إن شاء أعطانا ما سألناه وإن شاء منعنا إياه لا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل. قال أبو محمد: وإن في ابتداء الله عز وجل كتابه المنزل إلينا بقوله تعالى آمراً لنا أن نقوله راضياً منا أن نقوله: " قال أبو محمد: ولا مخلص لهم من هذا أصلاً ثم نسألهم أي مصلحة للعصاة في أن جعل بعض حركاتهم وسكونها كبائر يستحقون عليها النار وبعض حركاتهم وسكونهم صغائر مغفورة ولقد كان أصلح من أن يجعلها كلها صغائر مغفورة فإن قالوا هذا أزجر عن المعاصي وأصلح قيل لهم فهلا إذ هو كما تقولون جعلها جميعها كبائر زاجرة فهو أبلغ في الزجر. قال أبو محمد: وقد نص الله تعالى في القرآن آيات كثيرة لا يحتمل تأويلاً بتكذيب المعجزين لربهم تعالى وليس يمكنهم وجود أي آية ولا سنة يتعلقون بها أصلاً فمنها قوله تعالى: " قال أبو محمد: وصدقهم الله عز وجل في ذلك إذ لو أنكره لما أورده مثنياً عليهم بذلك وهذا في غاية البيان الذي قد هلك من خالفه وبطل به قول الضلال الملحدين القائلين أن الله تعالى أراد رشد فرعون وإبليس وأنه ليس عنده أصلح ولا يقدر لهما على هدى أصلاً وقال تعالى: " قال أبو محمد: فأيما كان أصلح للكفار المخلدين في النار أن يكونوا مع المؤمنين أمة واحدة لا عذاب عليهم أم بعثة الرسل إليهم وهو عز وجل يدري أنهم لا يؤمنون فيكون ذلك سبباً إلى تخليدهم في جهنم وقال تعالى: " قال أبو محمد: وهذا غاية البيان في أن الله عز وجل أراد بهم وفعل بهم ما فيه فساد أديانهم وهلاكهم الذي هو ضد الصلاح وإلا فأي مصلحة لهم في أن يستدرجوا إلى البلاد من حيث لا يعلمون وفي الإملاء لهم ليزدادوا إثماً ونص تعالى أن كل ذلك الذي فعله ليس مسارعة لهم في الخير فبطل قول هؤلاء الهلكى جملة والحمد لله رب العالمين وقال تعالى: " قال أبو محمد: فبطل قول البقر الشاذة أصحاب الأصلح في أنه تعالى لا يقدر على أصلح مما فعل بعباده. قال أبو محمد: نسأل الله العافية مما ابتلاهم به ونسأله الهدى الذي حرمهم إياه وكان قادراً قال أبو محمد: كل من منع قدرة الله عز وجل عن شيء مما ذكرنا فلا شك في كفره لأنه عجز ربه تعالى وخالف جميع أهل الإسلام. أ قال أبو محمد: وقالوا إذا كان عنده أصلح مما فعل بنا ولم يؤتنا إياه وليس بخيلاً وخلق أفعال عباده وعذبهم عليها ولم يكن ظالماً فلا تنكروا على من قال أنه جسم ولا يشبه خلقه وأنه يقول غير الحق ولا يكون كاذباً. قال أبو محمد: فجوابنا وبالله تعالى التوفيق أنه تعالى لم يقل أنه جسم ولو قاله لقلناه ولم يكن ذلك تشبيهاً له بخلقه ولم يقل تعالى أن يقول غير الحق بل قد أبطل ذلك وقطع بأن قوله الحق فمن قال على الله ما لم يقله فهو ملحد كاذب على الله عز وجل وقد قال تعالى أنه خلق كل شيء وخلقنا وما نعمل وأنه لو شاء لهدى كل كافر وأنه غير ظالم ولا بخيل ولا ممسك فقلنا ما قال من كل ذلك ولم نقل ما لم يقل وقلنا ما قام به البرهان العقلي من أنه تعالى خالق كل موجود دونه وأنه تعالى قادر على كل ما يسأل عنه وأنه لا يوصف بشيء من صفات العباد لا ظلم ولا بخل ولا غير ذلك ولم نقل ما قد قام البرهان العقلي على أنه باطل من أنه جسم أو أنه يقول غير الحق وقال بعض أصحاب الأصلح وهو ابن بدد الغزال تلميذ محمد بن شبيب تلميذ النظام بلى إن عند الله ألطافاً لو أتى بها الكفار لآمنوا إيماناً يستحقون معه الثواب إلا أن الثواب قال أبو محمد: وهذا تمويه ضعيف لأننا إنما سألناهم هل يقدر الله تعالى على ألطاف إذا أتى بها أهل الكفر آمنوا إيماناً يستحقون به مثل هذا الثواب الذي يؤتيهم على الإيمان اليوم أو أكثر من ذلك الثواب فلا بد لهم من ترك قوله أو يعجز ربه تعالى. قال أبو محمد: ونسأل جميع أصحاب الأصلح فنقول لهم وبالله تعالى التوفيق أخبرونا عن كل من شاهد براهين الأنبياء عليهم السلام ممن لم يؤمن به وصحت عنده بنقل التواتر هل صح ذلك عندهم صحة لا مجال للشك فيها أنها شواهد موجبة صدق نبوتهم أم لم يصح ذلك عندهم إلا بغالب الظن وبصفة أنها مما يمكن أن يكون تخييلاً أو سحراً أو نقلاً مدخولاً ولا بد من أحد الوجهين فإن قالوا بل صح ذلك عندهم صحة لا مجال للشك فيها وثبت ذلك في عقولهم بلا شك قلنا لهم هذا هو الاضطرار نفسه الذي لا اضطرار في العالم غيره وهذه صفة كل من ثبت عنده شيء ثباتاً متيقناً كمن يتيقن بالخبر الموجب للعلم موت فلان وكون صفين والجمل وكسائر ما لم يشاهد المرء بحواسه فالكل على هذا مضطرون إلى الإيمان لا مختارون له وإن قالوا لم يصح عندهم شيء من ذلك هذه الصحة قلنا لهم فما قامت عليهم حجة النبوة قط ولا صحت لله تعالى عليهم حجة ومن كان هكذا فاختياره للإيمان إنما هو استحباب وتقليد واتباع لما مالت إليه نفسه وغلب في ظنه فقط وفي هذا بطلان جميع الشرائع وسقوط حجة الله تعالى
قال أبو محمد: اختلف المتكلمون في هذه المسألة فقالت المعتزلة أن نعم الله تعالى على الكفار في الدين والدنيا كنعمه على المؤمنين ولا فرق وهذا قول فاسد قد نقضناه آنفاً ولله الحمد وقالت طائفة أخرى إن الله تعالى لا نعمة له على كافر أصلاً لا في دين ولا دنيا وقالت طائفة له تعالى عليهم نعم في الدنيا فأم في الدين فلا نعمة له عليهم فيه أصلاً. قال أبو محمد: قال الله عز وجل: " قال أبو محمد: فهذا عموم بالخطاب بإنعام الله تعالى على كل من خلق الله تعالى وعموم لمن يشكر من الناس والكفار من جملة ما خلق الله تعالى بلا شك وأما أهل الإسلام فكلهم شاكر لله تعالى بالإقرار به ثم يتفاضلون في الشكر وليس أحد من الخلق يبلغ كل ما عليه من شكر الله تعالى فصح أن نعم الله تعالى في الدنيا على الكفار كهي على المؤمنين وربما أكثر في بعضهم في بعض الأوقات قال تعالى: " كتاب الإيمان والكفر والطاعات والمعاصي والوعد والوعيد قال أبو محمد: اختلف الناس في ماهية الإيمان فذهب قوم إلى أن الإيمان إنما هو معرفة الله تعالى بالقلب فقط وإن أظهر اليهودية والنصرانية وسائر أنواع الكفر بلسانه وعبادته فإذا عرف الله تعالى بقلبه فهو مسلم من أهل الجنة وهذا قول أبي محرز الجهم بن صفوان وأبي الحسن الأشعري البصري و أصحابهما وذهب قوم إلى أن الإيمان هو إقرار باللسان بالله تعالى وإن اعتقد الكفر بقلبه فإذا فعل ذلك فهو مؤمن من أهل الجنة وهذا هو قول محمد بن كرام السجستاني وأصحابه وذهب قوم إلى أن الإيمان هو المعرفة بالقلب والإقرار باللسان معاً فإذا عرف المرء الدين بقلبه وأقر بلسانه فهو مسلم كامل الإيمان والإسلام وإن الأعمال لا تسمى إيماناً ولكنها شرائع الإيمان وهذا قول أبي حنيفة النعمان بن ثابت الفقيه وجماعة من الفقهاء وذهب سائر الفقهاء وأصحاب الحديث والمعتزلة والشيعة وجميع الخوارج إلى أن الإيمان هو المعرفة بالقلب بالدين والإقرار به باللسان والعمل بالجوارح وأن كل طاعة وعمل خير فرضاً كان أو نافلة فهي إيمان وكلما ازداد الإنسان خيراً ازداد إيمانه وكلما عصى نقص إيمانه وقال محمد بن زياد الحريري الكوفي من آمن بالله عز وجل وكذب برسول الله صلى الله عليه وسلم فليس مؤمناً على الإطلاق ولا كافراً على الإطلاق ولكنه مؤمن كافراً معاً لأنه آمن بالله تعالى فهو مؤمن وكافر بالرسول صلى الله عليه وسلم فهو كافر. قال أبو محمد: فحجة الجهمية والكرامية والأشعرية ومن ذهب مذهب أبي حنيفة حجة واحدة وهي أنهم قالوا إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين وبلغة العرب خاطبنا الله تعالى ورسول الله صلى الله عليه وسلم والإيمان في اللغة هو التصديق فقط والعمل بالجوارح لا يسمى في اللغة تصديقاً فليس إيماناً قالوا والإيمان هو التوحيد والأعمال لا تسمى توحيداً فليست إيماناً قالوا ولو كانت الأعمال توحيداً وإيماناً لكان من ضيع شيئاً منها قد ضيع الإيمان وفارق الإيمان فوجب أن لا يكون مؤمناً قالوا وهذه الحجة إنما تلزم أصحاب الحديث خاصة لا تلزم الخوارج ولا المعتزلة لأنهم يقولون بذهاب الإيمان جملة بإضاعة الأعمال. قال أبو محمد: ما لهم حجة غير ما ذكرنا وكل ما ذكروا فلا حجة لهم فيه أصلاً لما نذكره إن شاء الله عز وجل. قال أبو محمد: إن الإيمان هو التصديق في اللغة فهذا حجة على الأشعرية والجهمية والكرامية مبطلة لأقوالهم إبطالاً تاماً كافياً لا يحتاج معه إلى غيره وذلك قولهم أن الإيمان في اللغة التي بها نزل القرآن هو التصديق فليس كما قالوا على الإطلاق وما سمي فقط التصديق بالقلب دون التصديق باللسان إيماناً في لغة العرب وما قال قط عربي أن من صدق شيئاً قلبه فأعلن التكذيب به بقلبه وبلسانه فإنه يسمى مصدقاً به أصلاً ولا مؤمناً به البتة وكذلك ما سمي قط التصديق باللسان دون التصديق بالقلب إيماناً في لغة العرب أصلاً على الإطلاق ولا يسمى تصديقاً في لغة العرب ولا إيماناً مطلقاً إلا من صدق بالشيء بقلبه ولسانه معاً فبطل تعلق الجهمية والأشعرية باللغة جملة ثم نقول لمن ذهب مذهب أبي حنيفة في أن الإيمان إنما هو التصديق باللسان والقلب معاً وتعلق في ذلك باللغة إن تعلقكم باللغة لا حجة لكم فيه أصلاً لأن اللغة يجب فيها ضرورة أن كل من صدق بشيء فإنه مؤمن به وأنتم والأشعرية والجهمية والكرامية كلكم توقعون اسم الإيمان ولا تطلقونه إلا على صفة محدودة دون سائر الصفات وهي من صدق بالله عز وجل وبرسوله صلى الله عليه وسلم وبكل ما جاء به القرآن والبعث والجنة والنار والصلاة والزكاة وغير ذلك مما قد أجمعت الأمة على انه لا يكون مؤمناً من لم يصدق به وهذا خلاف اللغة مجرد فإن قالوا أن الشريعة أوجبت علينا هذا قلنا صدقتم فلا تتعلقوا باللغة حيث جاءت الشريعة بنقل اسم منها عن موضوعه في اللغة كما فعلتم آنفاً سواء بسواء ولا فرق. قال أبو محمد: ولو كان ما قالوه صحيحاً لوجب أن يطلق اسم الإيمان لكل من صدق بشيء ما ولكان من صدق بإلاهية الحلاج وبإلاهية المسيح وبإلاهية الأوثان مؤمنين لأنهم مصدقون بما صدقوا به وهذا لا يقوله أحد مما ينتمي إلى الإسلام بل قائله كافر عند جميعهم ونص القرآن بكفر من قال بهذا قال تعالى: " قال أبو محمد: فبطل تعلق هذه الطوائف باللغة جملة وأما قولهم أنه لو كان العمل يسمى إيماناً لكان من ضيع منه شيئاً فقد أضاع الإيمان ووجب أن لا يكون مؤمناً فإني قلت لبعضهم وقد ألزمني هذا الإلزام كلاماً تفسيره وبسطه إننا لا نسمي في الشريعة اسماً إلا بأن يأمرنا الله تعالى أن نسميه أو يبيح لنا الله بالنص أن نسميه لأننا لا ندري مراد الله عز وجل منا إلا بوحي وارد من عنده علينا ومع هذا فإن الله عز وجل يقول منكراً لمن سمي في الشريعة شيئاً بغير إذنه عز وجل: " قال أبو محمد: فإذا سقط كل ما موهت به هذه الطوائف كلها ولم يبق لهم حجة أصلاً فلنقل بعون الله عز وجل وتأييده في بسط حجة القول الصحيح الذي هو قول جمهور أهل الإسلام ومذهب الجماعة وأهل السنة وأصحاب الآثار من أن الإيمان عقد وقول وعمل وفي بسط ما أجملناه مما نقدنا به قول المرجئة وبالله تعالى التوفيق. قال أبو محمد: أصل الإيمان كما قلنا في اللغة التصديق بالقلب وباللسان معاً بأي شيء صدق المصدق لا شيء دون شيء البتة إلا أن الله عز وجل على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوقع لفظة الإيمان على العقد بالقلب لأشياء محدودة مخصوصة معروفة لا على العقد لكل شيء وأوقعها أيضاً تعالى على الإقرار باللسان بتلك الأشياء خاصة لا بما سواها وأوقعها أيضاً على أعمال الجوارح بكل ما هو طاعة له تعالى فقط فلا يحل لأحد خلاف الله تعالى فيما أنزله وحكم به وهو تعالى خالق اللغة وأهلها فهو أملك بتصريفها وإيقاع أسمائها على ما يشاء ولا عجب أعجب ممن أن وجد لامرئ القيس أو لزهير أو لجرير أو الحطيئة أو الطرماح أو لأعرابي أسدي أو سلمي أو تميمي أو من سائر أبناء العرب بوال على عقبيه لفظاً في شعر أو نثر جعله في اللغة وقطع به ولم يعترض فيه ثم إذا وجد لله تعالى خالق اللغات وأهلها كلاماً لم يلتفت إليه ولا جعله حجة وجعل يصرفه عن وجهه ويحرفه عن مواضعه ويتحيل في إحالته عما أوقعه الله عليه وإذا وجد لرسول الله صلى الله عليه وسلم كلاما فعل به مثل ذلك وتالله لقد كان محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم قبل أن يكرمه الله تعالى بالنبوة وأيام كونه فتى بمكة بلا شك عند كل ذي مسكة من عقل أعلم بلغة قومه وأفصح فيها وأولى بأن يكون ما نطق به من ذلك حجة من كل خندفي وقيسي وربيعي وإيادي وتميمي وقضاعي وحميري فكيف بعد أن اختصه الله تعالى للنذارة واجتباه للوساطة بينه وبين خلقه وأجرى على لسانه كلامه وضمن حفظه وحفظ ما يأتي به فأي ضلال أضل ممن يسمع لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب يقول: فعلت فروع الأيهقان وأطفلت لجلهتين ظباؤها ونعامها فجعله حجة وأبو زياد الكلابي يقول ما عرفت العرب قط الأيهقان وإنما هو اللهق بيت معروف ويسمع قول بن أحمر كناه نقلق عن مأموسة الحجر وعلماء اللغة يقولون أنه لم يعرف قط لأحد من العرب أنه سمى النار مأموسة إلا ابن أحمر فيجعله حجة ويجيز قول من قال من الأعراب هذا حجر من خرب وسائر الشواذ عن معهود اللغة مما يكثر لو تكلفنا ذكره ونحتج بكل ذلك ثم يمتنع من إيقاع اسم الإيمان على ما أوقعه عليه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله القرشي المسترضع في بني سعد بن بكر ويكابر في ذلك بكل باطل وبكل حماقة وبكل دفع للمشاهدة ونعوذ بالله من الخذلان. قال أبو محمد: فمن الأيات التي أوقع الله تعالى فيها اسم الإيمان على أعمال الديانة قوله عز وجل: " قال أبو محمد: والتصديق بالشيء أي شيء كان لا يمكن البتة أن يقع فيه زيادة ولا نقص وكذلك التصديق بالتوحيد والنبوة لا يمكن البتة أن يكون فيه زيادة ولا نقص لأنه لا يخلو كل معتقد بقلبه أو مقر بلسانه بأي شيء أقر أو أي شيء اعتقد من أحد ثلاثة أوجه لا رابع لها أما أن يصدق بما اعتقد وأقر وأما أن يكذب بما اعتقد وأما منزلة بينهما فهي الشك فمن المحال أن يكون إنساناً مكذباً بما يصدق به ومن المحال أن يشك أحد فيما يصدق به فلم يبق إلا أنه مصدق بما اعتقد بلا شك ولا يجوز أن يكون تصديق واحد أكثر من تصديق آخر لأن أحد التصديقين إذا دخلته داخلة فبالضرورة يدري كل ذي حس سليم أنه قد خرج عن التصديق ولا بد وحصل في الشك في أن معنى التصديق إنما هو أن يقطع ويوقن بصحة وجود ما صدق به ولا سبيل إلى التفاضل في هذه الصفة فإن لم يقطع ولا أيقن بصحته فقد شك فيه فليس مصدقاً به وإن لم يكن مصدقاً به فليس مؤمناً به فصح أن الزيادة التي ذكر الله عز وجل في الإيمان ليست في التصديق أصلاً ولا في الاعتقاد البتة فهي ضرورة في غير التصديق وليس ها هنا إلا الأعمال فصح يقيناً أن أعمال البر إيمان بنص القرآن وكذلك قول الله عز وجل: " قال أبو محمد: وأكثر الأسماء الشرعية فإنها موضوعة من عند الله تعالى على مسميات لم يعرفها العرب قط هذا أمر لا يجهله أحد من أهل الأرض ممن يدري اللغة العربية ويدري الأسماء الشرعية كالصلاة فإن موضوع هذه اللفظة في لغة العرب الدعاء فقط فأوقعها الله عز وجل على حركات محدودة معدودة من قيام موصوف إلى جهة موصوفة لا تتعدى وركوع كذلك وسجود كذلك وقعود كذلك وقراءة وذكر كذلك في أوقات محدودة وبطهارة محدودة وبلباس محدود متى لم تكن على ذلك بطلت ولم تكن صلاة وما عرفت العرب قط شيئاً من هذا كله فضلاً على أن تسميه حتى أتانا بهذا كله رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال بعضهم أن في الصلاة دعاء فلم يخرج الاسم بذلك عن موضوعه في اللغة. قال أبو محمد: وهذا باطل لأنه لا خلاف بين أحد من الأمة في أن من أتى بعدد الركعات وقرأ أم القرآن وقرآناً معها في كل ركعة وأتى بعد الركوع والسجود والجلوس والقيام والتشهد وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وسلم بتسليمتين فقد صلى كما أمر وإن لم يدع بشيء أصلاً وفي الفقهاء من يقول أن من صلى خلف الإمام فلم يقرأ أصلاً ولا تشهد ولا دعا أصلاً فقد صلى كما أمر وأيضاً فإن ذلك الدعاء في الصلاة لا يختلف أحد من الأمة في أنه ليس شيئاً ولا يسمى صلاة أصلاً عند أحد من أهل الإسلام فعلى كل قد أوقع الله عز وجل اسم الصلاة على أعمال غير الدعاء ولا بد وعلى دعاء محدود لم تعرفه العرب قط ولا عرفت إيقاع الصلاة على دعاء بعينه دون سائر الدعاء ومنها الزكاة وهي موضوع في اللغة للنماء والزيادة فأوقعها الله تعالى إعطاء مال محدود معدود من جملة أموال ما موصوفة محدودة معدودة معينة دون سائر الأموال لقوم محدودين في أوقات محدودة فإن هو تعدى شيئاً من ذلك لم يقع على فعله ذلك اسم زكاة ولم تعرف العرب قط هذه الصفات والصيام في لغة العرب الوقوف تقول صام النهار إذا طال حتى صار كأنه واقف بطوله قال امرئ القيس: إذا صام النهار وهجرا وقال آخر وهو النابغة الذبياني: خيل صيام وخيل غير صائمة تحت العجاج وخيل تعلك اللجما فأوقع الله تعالى اسم الصيام على الامتناع من الأكل والشرب والجماع وتعمد القيء من وقت محدود تبين الفجر الثاني إلى غروب الشمس في أوقات من السنة محدودة فإن تعدى ذلك لم يسم صياماً وهذا أمر لم تعرفه العرب قط فظهر فساد قول من قال أن الأسماء لا تنقل في الشريعة عن موضعها في اللغة وصح أن قولهم هذا مجاهرة سمجة قبيحة. قال أبو محمد: فإذا قد وضح وجود الزيادة في الإيمان بخلاف قول من قال أنه التصديق فبالضرورة ندري أن الزيادة تقتضي النقص ضرورة ولا بد لأن معنى الزيادة إنما هو عدد مضاف إلى عدد وإذا كان ذلك فذلك العدد المضاف إليه هو بيقين ناقص عند عدم الزيادة فيه وقد جاء النص بذكر النقص وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم المشهور المنقول نقل الكواف أنه قال للنساء: " ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم منكن " قلن يا رسول الله وما نقصان ديننا قال عليه السلام أليس تقيم المرأة العدد من الأيام والليالي لا تصوم ولا تصلي فهذا نقصان دينها. قال أبو محمد: ولو نقص من التصديق شيء لبطل عن أن يكون تصديقاً لأن التصديق لا يتبعض أصلاً ولصار شكاً وبالله تعالى التوفيق وهم مقرون بأن امرأ لو لم يصدق بآية من القرآن أو بسورة منه وصدق بسائره لبطل إيمانه فصح أن التصديق لا يتبعض أصلاً. قال أبو محمد: وقد نص الله عز وجل على أن اليهود يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم وأنهم يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل وقال تعالى: " قال أبو محمد: فلجأ هؤلاء المخاذيل إلى أن قالوا إن اليهود والنصارى لم يعرفوا قط أن محمداً رسول الله ومعنى قول الله تعالى يعرفونه كما يعرفون أبناءهم أي أنهم يميزون صورته ويعرفون أن هذا الرجل هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي فقط وأن معنى قوله تعالى يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل إنما هو انهم يجدون سواداً في بياض لا يدرون ما هو ولا يفهمون معناه وإن إبليس لم يقل شيئاً مما ذكر الله عز وجل عنه انه قال مجداً بل قاله هاذلاً وقال هؤلاء أيضاً أنه ليس على ظهر الأرض ولا كان قط كافر يدري أن الله حق وأن فرعون قط لم يتبين له أن موسى نبي بالآيات التي عمل. قال أبو محمد: وقالوا إذا كان الكافر يصدق أن الله حق والتصديق إيمان في اللغة فهو مؤمن إذا أوفيه إيمان ليس به مؤمناً وكلا القولين محال. قال أبو محمد: هذه نصوص أقوالهم التي رأيناها في كتبهم وسمعناها فهم وكان مما احتجوا به لهذا الكفر المجرد أن قالوا أن الله عز وجل سمى كل من ذكرنا كفاراً ومشركين فدل ذلك على أنه علم أن في قلوبهم كفراً وشركاً وجحداً وقال هؤلاء أن شتم الله عز وجل وشتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس كفراً لكنه دليل على أن في قلبه كفراً. قال أبو محمد: وأما قولهم في أخبار الله تعالى عن اليهود أنهم يعرفون رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم وعن اليهود والنصارى أنهم يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل فباطل بحت ومجاهرة لا حياء معها لأنه لو كان كما ذكروا لما كان في ذلك حجة لله تعالى عليهم وأي معنى أو أي فائدة في أن يجيزوا صورته ويعرفوا انه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب فقط أو في أن يجدوا كتابا لا يفقهون معناه فكيف ونص الآية نفسها مكذبة لهم لأنه تعالى يقول الذين آتيناهم الكتابة يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وأن فريقاً منهم يكتمون الحق وهم يعلمون فنص تعالى أنهم يعلمون الحق في نبوته وقال في الآية الأخرى: " قال أبو محمد: هذه شهادة من الله مكذبة بقول هؤلاء الضلال لا يردها مسلم أصلاً. قال أبو محمد: وبلغنا عن بعضهم انه قال في قول الله تعالى: " قال أبو محمد: وهذا كفر وتحريف للكلم عن مواضعه ويرد ما شئت منه. قال أبو محمد: فأول ذلك أن هذا الخطاب من الله تعالى عموم للرجال و النساء من الذين أوتوا الكتاب لا يجوز أن يخص به الرجال دون النساء فيكون من فعل ذلك مفترياً على الله تعالى وبيقين يدري كل مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى النساء كما بعث إلى الرجال والخطاب بلفظ الجمع المذكر يدخل فيه بلا خلاف من أهل اللغة النساء والرجال وقد علمنا أن النساء يعرفن أبناءهن على الحقيقة بيقين والوجه الثاني هو أن الله تعالى لم يقل كما يعرفون من خلقنا من نطفتهم فكان يسوغ لهذا الجاهل حينئذ هذا التمويه البارد باستكراه أيضاً وإنما قال تعالى كما يعرفون أبناءهم فأضاف تعالى البنوة إليهم فمن لم يقل أنهم أبناءهم بعد أن جعلهم الله أبناءهم فقد كذب الله تعالى وقد علمنا أنه ليس كل من خلق من نطفة رجل يكون ابنه فولد الزنا مخلوق من نطفة الإنسان ليس هو أباه في حكم الديانة أصلاً وإنما أبناؤنا من جعلهم الله أبناؤنا فقط كما أن الله تعالى جعل أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين منهن أمهاتنا وإن لم يلدننا ونحن أبناءهن وإن لم نخرج من بطونهن فمن أنكر هذا فنحن نصدقه لأنه حينئذ ليس مؤمناً فلسن أمهاته ولا هو ابن لهن والوجه الثالث هو أن الله تعالى إنما أورد الآية مبكتاً للذين أوتوا الكتاب لا معتذراً عنه لكن مخبراً بأنهم يعرفون صحة نبوة النبي صلى الله عليه وسلم بآياته وبما وجدوا في التوراة والإنجيل معرفة قاطعة لا شك فيها كما يعرفون أبناءهم ثم أتبع ذلك تعالى بأنهم يكتمون الحق وهم عالمون به فبطل هذر هذا الجاهل المخذول والحمد لله رب العالمين وقال عز وجل: " قال أبو محمد: وهذا أيضاً نص جلي لا يحتمل تأويلاً على أن الكفار جحدوا بألسنتهم الآيات التي أتى بها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام واستيقنوا بقلوبهم أنها حق ولم يجحدوا قط أنها كانت وإنما جحدوا أنها من عند الله فصح أن الذي استيقنوا منها هو الذي جحدوا وهذا يبطل قول من قال من هذه الطائفة أنهم إنما استيقنوا كونها زهي عندهم حيل لا حقائق إذ لو كان ذلك لكان هذا القول من الله تعالى كذباً تعالى الله عن ذلك لأنهم لم يجحدوا كونها وإنما جحدوا أنها من عند الله وهذا الذي جحدوا هو الذي استيقنوا بنص الآية وقال تعالى حاكياً عن موسى عليه السلام انه قال لفرعون: " قال أبو محمد: وكلا القراءتين حق من عند الله تعالى لا يجوز أن يرد منهما شيء فنعم موسى عليه السلام علم ذلك وفرعون علم ذلك فهذه نصوص القرآن وأما من طريق المعقول والمشاهدة والنظر فإنا نقول لهم هل قامت حجة الله تعالى على الكفار كما قامت على المؤمنين بتبين براهينه عز وجل لهم أم لم تقم حجة لله تعالى عليهم قط إذ لم يتبين الحق قط لكافر فإن قالوا أن حجة الله تعالى لم تقم قط على كافر إذ لم يتبين الحق للكفار كفروا بلا خلاف من أحد وعذروا الكفار وخالفوا الإجماع وإن أقروا أن حجة الله تعالى قد قامت على الكفار بأن الحق تبين لهم صدقوا ورجعوا إلى الحق وإلى قول أهل الإسلام وبرهان آخر أن كل أحد مذ عقلنا لم نزل نشاهد اليهود والنصارى فما سمعهم أحد إلا مقرين بالله تعالى وبنبوة موسى عليه السلام وأن الله تعالى حرم على اليهود العمل في السبت والتحوم فمن الباطل أن يتواطؤوا كلهم في شرق الأرض و غربها على إعلان ما يعتقدون خلافه بلا سبب داع إلى ذلك وبرهان آخر وهو أننا قد شاهدنا من النصارى واليهود طوائف لا يحصى عددهم أسلموا وحسن إسلامهم وكلهم أولهم عن آخرهم يخبر من استخبره متى بقوا أنهم في إسلامهم يعرفون أن الله تعالى حق وأن نبوة موسى وهارون حق كما كانوا يعرفون ذلك في أيام كفرهم ولا فرق ومن أنكر هذا قد كابر عقله وحسه ولحق بمن لا يستحق أن يكلم وبرهان آخر وهو انهم لا يختلفون في أن نقل التواتر يوجب العلم الضروري فوجب من هذين الحكمين أن اليهود والنصارى الذين نقل إليهم ما أتى به عليه السلام من المعجزات نقل التواتر قد وقع لهم به العلم الضروري بصحة نبوته من أجلها وهذا لا محيد لهم عنه وبالله تعالى التوفيق وأما قولهم أن شتم الله تعالى ليس كفراً وكذلك شتم رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو دعوى لأن الله تعالى قال: " قال أبو محمد: وبحكم اللغة التي نزل بها القرآن أن الزيادة في الشيء لا تكون البتة إلا منه لا من غيره فصح أن النسيء كفر وهو عمل من الأعمال وهو تحليل ما حرم الله تعالى فمن أحل ما حرم الله تعالى وهو عالم بأن الله تعالى حرمه فهو كافر بذلك الفعل نفسه وكل من حرم ما أحل الله تعالى فقد أحل ما حرم الله عز وجل لأن الله تعالى حرم على الناس أن يحرموا ما أحل الله وأما خلاف الإجماع فإن جميع أهل الإسلام لا يختلفون فيمن أعلن جحد الله تعالى أو جحد رسوله الله صلى الله عليه وسلم فإنه محكوم له بحكم الكفر قطعاً وإما القتل أخذ الجزية وسائر أحكام الكفر وما شك قط أحد في هل هم في باطن أمرهم مؤمنون أم لا فكروا في هذا لا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه ولا أحد ممن بعدهم وأما قولهم إذا الكفار إذا كانوا مصدقين بالله تعالى وبنبيه صلى الله عليه وسلم بقلوبهم والتصديق في اللغة التي نزل القرآن هو الإيمان ففيهم بلا شك إيمان فالواجب أن يكونوا بإيمانهم ذلك مؤمنين أو أن يكون فيهم إيمان ليسوا بكونهم فيهم مؤمنين ولا بد من أحد الأمرين. قال أبو محمد: وهذا تمويه فاسد لأن التسمية كما قدمنا لله تعالى لا لأحد دونه وقد أوضحنا البراهين على أن الله تعالى نقل اسم إيمان في الشريعة عن موضوعه في اللغة إلى معنى آخر وحرم في الديانة إيقاع اسم الإيمان على التصديق المطلق ولولا نقل الله تعالى للفظة الإيمان كما ذكرنا لوجب أن يسمى كل كافر على وجه الأرض مؤمناً وأن يخبر عنهم بأن فيهم إيماناً لأنهم مؤمنون ولا بد بأشياء كثيرة مما في العالم يصدقون بها هذا لا ينكره ذو مسكة من عقل فلو صح إجماعنا وإجماعهم وإجماع كل من ينتمي إلى الإسلام على انهم وإن صدقوا بأشياء كثيرة فإنه لا يحل لأحد أن يسميهم مؤمنين على الإطلاق ولا أن يقول أن لهم إيماناً مطلقاً أصلاً لم يجز لأحد أن يقول في الكافر المصدق بقلبه ولسانه بأن الله تعالى حق والمصدق بقلبه أن محمد رسول الله أنه مؤمن ولا أن فيه إيماناً أصلاً إلا حتى يأتي بما نقل الله تعالى إليه اسم الإيمان من التصديق بقلبه ولسانه بأن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وأن كل ما جاء به حق وأنه بريء من كل دين غير دينه ثم يتمادى بإقراره على ما لا يتم إيمان إلا بالإقرار به حتى يموت لكنا نقول أن في الكافر تصديقاً بالله تعالى هو به مصدق بالله تعالى وليس بذلك مؤمناً ولا فيه إيمان كما أمرنا الله تعالى لا كما أمر جهم والأشعري. قال أبو محمد: فبطل هذا القول المتفق على تكفير قائله وقد نص على تكفيرهم أبو عبيد القاسم في كتابه المعروف برسالة الإيمان وغيره ولنا كتاب كبير نقضنا فيه شبه أهل هذه المقالة الفاسدة كتبناه على رجل منهم يسمى عطاف بن دوناس من أهل قيروان إفريقية وبالله تعالى التوفيق. قال أبو محمد: وأما من قال أن الإيمان إنما هو الإقرار باللسان فإنهم احتجوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم وجميع أصحابه رضي الله عنهم وكل من بعدهم قد صح إجماعهم على أن من أعلن بلسانه بشهادة الإسلام فإنه عندهم مسلم محكوم له بحكم الإسلام وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوداء أعتقها فإنها مؤمنة وبقوله صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب قل كلمة أحاج لك بها عند الله عز وجل. قال أبو محمد: وكل هذا لا حجة لهم فيه أما الإجماع المذكور فصحيح وإنما حكمنا لهم بحكم الإيمان في الظاهر ولم نقطع على أنه عند الله تعالى مؤمن وهكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بما أرسلت به فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وبحسابهم على الله وقال عليه السلام من قال لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه وأما قوله عليه السلام في السوداء أنها مؤمنة فظاهر الأمر كما قال عليه السلام إذ قال له خالد بن الوليد رب مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه فقال عليه السلام إني لم أبعث لأشق عن قلوب الناس وأما قوله لعمه أحاج لك بها عند الله فنعم يحاج بها على ظاهر الأمر وحسابه على الله تعالى فبطل كل ما موهوا به ثم نبين بطلان قولهم إن شاء الله تعالى فنقول وبالله تعالى نتأيد أنه يبين بطلان قول هؤلاء قول الله عز وجل: " قال أبو محمد: فإن قالوا إنما هذه الآية بمعنى أن هذه الأفعال تدل على أن في القلب إيماناً قلنا لهم لو كان ما قلتم لوجب ولا بد أن يكون ترك من ترك شيئاً من هذه الأفعال دليلاً على أنه ليس في قلبه إيمان وأنتم لا تقولون هذا أصلاً مع أن هذا صرف للآية عن وجهها وهذا لا يجوز إلا ببرهان وقولهم هذا دعوى بلا برهان وقال تعالى: " قال أبو محمد: ويلزمهم أن المنافقين مؤمنون لإقرارهم بالإيمان بألسنتهم وهذا قول مخرج عن الإسلام وقد قال تعالى: " قال أبو محمد: وبرهان آخر وهو أن الإقرار باللسان دون عقد القلب لا حكم له عند الله عز وجل لأن أحدنا يلفظ بالكفر حاكياً وقارئاً له في القرآن فلا يكون بذلك كافراً حتى يقرأنه عقده. قال أبو محمد: فإن احتج بهذا أهل المقالة وقالوا هذا يشهد بأن الإعلان بالكفر ليس كفراً قلنا له وبالله تعالى التوفيق قد قلنا أن التسمية ليست لنا وإنما لله تعالى فلما أمرنا تعالى بتلاوة القرآن وقد حكى لنا فيه قول أهل الكفر وأخبرنا تعالى أنه لا يرضى لعباده الكفر خرج القارئ للقرآن بذلك عن الكفر إلى رضى الله عز وجل و الإيمان بحكايته ما نص الله تعالى بأداء الشهادة بالحق قال تعالى: " قال أبو محمد: وأما من قال أن الإيمان هو العقد بالقلب والإقرار باللسان دون العمل بالجوارح فلا نكفر من قال بهذه المقالة وإن كانت خطأ وبدعة واحتجوا بأن قالوا أخبرونا عمن قال لا إله إلا الله محمد رسول الله وبريء من كل دين حاشا الإسلام وصدق بكل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم واعتقد ذلك لقلبه ومات إثر ذلك أمؤمن هو أم لا فإن جوابنا أنه مؤمن بلا شك عند الله عز وجل وعندنا قالوا فأخبرونا أناقص الإيمان هو أم كامل الإيمان قالوا فإن قلتم أنه كامل الإيمان فهذا قولنا وإن قلتم أنه ناقص الإيمان سألناكم ماذا نقصه من الإيمان وماذا مع الإيمان. قال أبو محمد: فجوابنا وبالله تعالى التوفيق أنه مؤمن ناقص الإيمان بالإضافة إلى من له إيمان زائد بأعمال لم يعملها هذا وكل واحد فهو ناقص الإيمان بالإضافة إلى من هو أفضل أعمالاً منه حتى يبلغ الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا أحد أتم إيماناً منه بمعنى أحسن أعمالاً منه وأما قولهم ما الذي نقصه من الإيمان فإنه نقصه الأعمال التي عملها غيره والتي ربنا عز وجل أعلم بمقاديرها. قال أبو محمد: ومما يبين أن اسم الإيمان في الشريعة منقول عن موضوعه في اللغة وإن الكفر أيضاً كذلك فإن الكفر في اللغة التغطية وسمي الزراع كافراً لتغطيته الحب وسمي الليل كافراً لتغطيته كل شيء قال الله عز وجل: " الطبقات الثلاث المذكورة قال أبو محمد: إن قال قائل أليس الكفر ضد الإيمان قلنا وبالله تعالى التوفيق إطلاق هذا القول خطأ لأن الإيمان اسم مشترك يقع على معان شتى كما ذكرنا فمن تلك المعاني شيء يكون الكفر ضداً له ومنها ما يكون الفسق ضداً له لا الكفر ومنها ما يكون الترك ضداً له لا الكفر ولا الفسق فأما الإيمان الذي يكون الكفر ضداً له فهو العقد بالقلب والإقرار باللسان فإن الكفر ضد لهذا الإيمان وأما الإيمان الذي يكون الفسق ضد له لا الكفر فهو ما كان من الأعمال فرضاً فإن تركه ضد للعمل وهو فسق لا كفر وأما الإيمان الذي يكون الترك له ضداً فهو كل ما كان من الأعمال تطوعاً فإن تركه ضد العمل به وليس فسقاً ولا كفراً برهان ذلك ما ذكرناه من ورود النصوص بتسمية الله عز وجل أعمال البر كلها إيماناً وتسميته تعالى ما سمي كفراً وما سمي فسقاً وما سمي معصية وما سمي إباحة لا معصية ولا كفراً ولا إيماناً وقد قلنا أن التسمية لله عز وجل لا لأحد غيره فإن قال قائل منهم أليس جحد الله عز وجل بالقلب فقط لا باللسان كفراً فلا بد من نعم قال فيجب على هذا أن يكون التصديق باللسان وحده إيماناً فجوابنا وبالله تعالى التوفيق إن هذا كان يصح لكم لو كان التصديق بالقلب وحده أو باللسان وحده إيماناً وقد أوضحنا آنفاً أنه ليس شيء من ذلك على انفراده إيماناً وأنه ليس إيماناً إلا ما سماه الله عز وجل إيماناً وليس الكفر إلا ما سماه الله عز وجل كفراً فقط فإن قال قائل من أهل الطائفة الثالثة أليس جحد الله تعالى بالقلب وباللسان هو الكفر كله فكذلك يجب أن يكون الإقرار بالله تعالى باللسان والقلب هو الإيمان كله قلنا وبالله تعالى نتأيد ليس شيء مما قلتم بل الجحد بشيء مما صح البرهان أنه لا إيمان إلا بتصديقه كفر والنطق بشيء من كل ما قام البرهان أنه لا إيمان إلا بتصديقه كفر والنطق بشيء من كل ما قام البرهان أن النطق به كفر كفر والعمل بشيء مما قام البراهين بأنه كفر كفر فالكفر يزيد وكلما زاد فيه فهو كفر والكفر ينقص وكله مع ذلك ما بقي منه وما نقص فكله كفر وبعض الكفر أعظم وأشد وأشنع من بعض وكله كفر وقد أخبر تعالى عن بعض الكفر أنه تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً وقال عز وجل: " قال أبو محمد: فجوابنا نعم هكذا نقول قالوا فقد وجب من قولكم إذا كان بما ذكرنا كافراً أن يكون فعله ذلك كفراً ولا بد إذ لا يكون كافراً إلا بكفره فيجب على قولكم أن الإقرار بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم بالقلب كفر ولا بد ويكون الإقرار بالله تعالى أيضاً وبرسوله صلى الله عليه وسلم باللسان أيضاً كفر ولا بد أنكم تقولون أنهما إيمان فقد وجب على قولكم أن يكونا كفراً إيماناً معاً وفاعلهما كافراً مؤمناً معاً وهذا كما ترون. قال أبو محمد: فجوابنا وبالله تعالى التوفيق إن هذا شغب ضعيف وإلزام كاذب سموه لأننا لم نقل قط أن من اعتقد وصدق بقلبه فقط بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم وأنكر بلسانه ذلك أو بعضه فإن اعتقاده لتصديق ذلك كفر ولا أنه كان بذلك كافراً وإنما قلنا أنه كفر بترك إقراره بذلك بلسانه فهذا هو الكفر وبه صار كافراً وبه أباح الله تعالى دمه أو أخذ الجزية منه بإجماعكم معنا وإجماع جميع أهل الإسلام وكان تصديقه بقلبه فقط بكل ذلك لغواً محيطاً كأنه لم يكن ليس إيماناً ولا كفراً ولا طاعة ولا معصية قال تعالى: " قال أبو محمد: فجوابنا وبالله تعالى التوفيق أننا نقول ونصرح أنه ليس بعض الإيمان إيماناً أصلاً بل الإيمان متركب من أشياء إذا اجتمعت صارت إيماناً كالبلق ليس السواد وحده بلقاً ولا البياض وحده بلقاً فإذا اجتمعا صارا بلقاً وكالباب ليس الخشب وحده باباً ولا المسامير وحدها باباً فإذا اجتمعا على شكل سمي حينئذ باباً وكالصلاة فإن القيام وحده ليس صلاة ولا الركوع وحده صلاة ولا الجلوس وحده صلاة ولا القراءة وحدها صلاة ولا الذكر وحده صلاة ولا استقبال القبلة وحده صلاة أصلاً فإذا اجتمع كل ذلك سمي المجتمع حينئذ صلاة وكذلك الصيام المفترض والمندوب إليه ليس صيام كل ساعة من النهار على انفرادها صياماً فإذا اجتمع صيامها كلها يسمى صياماً وقد يقع في اليوم الأكل والجماع والشراب سهواً فلا يمنع ذلك من أن يكون صيامه صحيحاً والتسمية لله عز وجل كما قدمنا لا لأحد دونه بل من الإيمان شيء إذا انفرد كان كفراً كمن قال مصدقاً بقلبه لا إله إلا الله محمد رسول الله فهذا إيمان فلو أفرد لا إله وسكت سكوتاً قطع كفر بلا خلاف من أحد ثم نسألهم فنقول لهم فإذا انفرد صيامه أو صلاته دون إيمان أهي طاعة فمن قولهم لا فقد صاروا فيما أرادوا أن يموهوا به علينا من أن إبعاض الطاعات إذا انفردت لم تكن طاعة بل كانت معصية وإذا اجتمعت كانت طاعة. قال أبو محمد: فإن قالوا إذا كان النطق باللسان عندكم إيماناً فيجب إذاً عدم النطق بأن يسكت الإنسان بعد إقراره أن يكون سكوته كفراً فيكون بسكوته كافراً قلنا إن هذا يلزمنا عندكم فما تقولون إن سألكم أصحاب محمد من كرام فقالوا لكم إذا كان الاعتقاد بالقلب هو الإيمان عندكم فيجب إذا سها عن الاعتقاد وإحضاره ذكره أما في حال حديثه مع من يتحدث أو في حال فكره أو نومه أن يكون كافراً وأن يكون ذلك السهو كفراً فجوابهم أنه محمول على ما صح منه من الإقرار باللسان. قال أبو محمد: ونقول للجهمية والأشعرية في قولهم أن جحد الله تعالى وشتمه وجحد الرسول صلى الله عليه وسلم إذا كان كل ذلك باللسان فإنه ليس كفراً لكنه دليل على أن في القلب كفراً أخبرونا عن هذا الدليل الذي ذكرتم أتقطعون به فتثبتونه يقيناً ولا تشكون في أن في قلبه جحداً للربوبية وللنبوة أم هو دليل يجوز ويدخله الشك ويمكن أن لا يكون في قلبه كفر ولا بد من أحدهما فإن قالوا أنه دليل لا نقطع به قطعاً ولا نثبته يقيناً قلنا لهم فما بالكم تحتجون بالظن الذي قال تعالى فيه: " قال أبو محمد: وكلتا الشاهدتين من هاتين الطائفتين كذب على الله عز وجل وما شهد الله عز وجل قط على إبليس وأولى الكتاب بالكفر إلا بما أعلنوه من الاستخفاف بالنبوة وبآدم وبالنبي صلى الله عليه وسلم فقط ولا شهد تعالى قط على المنافقين بالكفر إلا بما أبطنوه من الكفر فقط وأما هذا فتحريف للكلم عن مواضعه وأفك مفتري ونعوذ بالله من الخذلان. قال أبو محمد: وانظروا قولهم قالوا مثل هذا أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل هذه الدار اليوم إلا كافر أو يقول كل من دخل هذه الدار اليوم فهو كافر قالوا فدخول تلك الدار دليل على أنه يعتقد الكفر لا أن دخول الدار كفر. قال أبو محمد: وهذا كذب وتمويه ضعيف بأن دخول تلك الدار في ذلك اليوم كفر محض مجرد وقد يمكن أن يكون الداخل فيها مصدقاً بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم إلا أن تصديقه ذلك قد حبط بدخوله الدار برهان ذلك أنه لا يختلف اثنان من أهل الإسلام في أن دخول تلك الدار لا يحل البتة لعائشة ولا لأبي بكر ولا لعلي ولا لأحد من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولا لأحد من أصحابه رضي الله عنهم كما أن الله تعالى قد نص على أنه علم ما في قلوبهم وأنزل السكينة عليهم وإذ ذلك كذلك فقد وجب ضرورة أن هؤلاء رضي الله عنهم لو دخلوا تلك الدار لكانوا كفاراً بلا شك بنفس دخولهم فيها ولحبط إيمانهم فإن قالوا لو دخلها هؤلاء لم يكفروا كانوا هم قد كفروا لأنهم بهذا القول قاطعون بأن كلامه صلى الله عليه وسلم كذب في قوله لا يدخلها إلا كافر واحتج بعضهم في هذا المكان بقول الأخطل النصراني لعنه الله إذ يقول: إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلاً قال أبو محمد: فجوابنا على هذا الاحتجاج أن نقول ملعون ملعون قائل هذا البيت وملعون ملعون من جعل قول هذا النصراني حجة في دين الله عز وجل وليس هذا من باب اللغة التي يحتج فيها بالعربي وإن كان كافراً وإنما هي قضية عقلية فالعقل والحس يكذبان هذا البيت وقضية شرعية فالله عز وجل أصدق من النصراني اللعين إذ يقول عز وجل: " قال أبو محمد: فإن قال قائل من أين قلتم أن التصديق لا يتفاضل ونحن نجد خضرة أشد من خضرة وشجاعة أشد من شجاعة لا سيما والشجاعة والتصديق كيفيات من صفات النفس معاً فالجواب وبالله تعالى التوفيق أن كل ما قبل من الكيفيات الأشد والأضعف فإنما يقبلهما بمزاج يداخله من كيفية أخرى ولا يكون ذلك إلا فيما بينه وبين ضده منها وسائط قد تمازج كل واحد من الضدين أو في ما جاز امتزاج الضدين فيه كما نجد بين الخضرة والبياض وسائط من حمرة وصفرة تمازجهما فتولد حينئذ بالممازجة الشدة والضعف وكالصحة التي هي اعتدال مزاج العضو فإذا مازج ذلك الاعتدال فضل ما كان مرضه بحسب ما مازجه في الشدة والضعف والشجاعة إنما هي استسهلال النفس والثبات والإقدام عند المعارضة في اللقاء فإذا ثبت الاثنان فإثباتاً واحداً وأقدما إقداماً مستوياً فهما في الشجاعة سواء وإذا ثبت أحدهما أو أقدم فوق ثبات الآخر وإقدامه كان أشجع منه وكان الآخر قد مازج ثباته أو إقدامه جبن وأما ما كان من الكيفيات لا يقبل المزاج أصلاً فلا سبيل إلى وجود التفاضل فيه وكل ذلك على حسب ما خلقه الله عز وجل من كل ذلك ولا مزيد كاللون فإنه لا سبيل إلى أن يكون لون أشد دخولاً في أنه لون من لون آخر إذ لو مازج الصدق غيره لصار كذباً في الوقت ولو مازج تصديق شيء غيره لصار شكاً في الوقت وبطل التصديق جملة وبالله تعالى التوفيق والإيمان قد قلنا أنه ليس هو التصديق وحده بل أشياء مع التصديق كثيرة فإنما دخل التفاضل في كثرة تلك الأشياء وقلتها وفي كيفية إيرادها وبالله تعالى التوفيق وهكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخرج من النار من في قلبه إذ قالوا شعيرة من إيمان ثم من في قلبه مثقال برة من أيمان ثم من في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلى أدنى أدنى من ذلك إنما أراد عليه السلام من قصد إلى عمل شيء من الخير أو هم به ولم يعمله بعد أيكون مصدقاً بقلبه بالإسلام مقراً بلسانه كما في الحديث قال أبو محمد: ومن النصوص على أن الأعمال إيمان قول الله تعالى: " قال أبو محمد: ومن العجب قولهم أن الصلاة والصيام والزكاة ليست إيماناً لكنها شرائع الإيمان. قال أبو محمد: هذه تسمية لم يأذن الله تعالى بها ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ولا أحداً من الصحابة رضي الله عنهم بل الإسلام هو الإيمان وهو الشرائع والشرائع هي الإيمان والإسلام وبالله تعالى التوفيق. قال أبو محمد: واختلف الناس في الكفر والشرك فقالت طائفة هي اسمان واقعان على معنيين وإن كل شرك كفر وليس كل كفر شركاً وقال هؤلاء لا شرك الأقوال من جعل لله شريكاً قال هؤلاء اليهود والنصارى كفاراً لا مشركون وسائر الملل كفار مشركون وهو قول أبي حنيفة وغيره وقال آخرون الكفر والشرك سواء وكل كافر فهو مشرك وكل مشرك فهو كافر وهو قول الشافعي قال أبو محمد: واحتجت الطائفة الأولى بقول الله عز وجل: " قال أبو محمد: هذه عمدة حجتهم ما نعلم لهم حجة غير هاتين. قال أبو محمد: أما احتجاجهم بقول الله عز وجل: " قال أبو محمد: فإن قالوا كيف تقولون أن اليهود عارفون بالله تعالى والنصارى والله تعالى يقول " وهل الإيمان والإسلام اسمان لمسمى واحد ومعنى واحد أو لمسميين ومعنيين قال أبو محمد: ذهب قوم إلى أن الإسلام والإيمان اسمان واقعان على معنيين وأنه قد يكون مسلم غير مؤمن واحتجوا بقول الله عز وجل: " وبالحديث المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتاه جبريل صلى الله عليه وسلم في صورة فتى غير معروف العين فسأله عن الإسلام فأجابه بأشياء في جملتها إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأعمال أخر مذكورة في ذلك الحديث فسأله عن الًسلام فأجابه بأشياء من جملتها أن تؤمن بالله وملائكته وبحديث لا يصح من أن المرء يخرج عن الإيمان إلى الإسلام وذهب آخرون إلى أن الإيمان والإسلام لفظان مترادفان على معنى واحد واحتجوا بقول الله عز وجل: " قال أبو محمد: والذي نقول به وبالله تعالى التوفيق أن الإيمان أصله في اللغة التصديق على الصفة التي ذكرنا قبل ثم أوقعه الله عز وجل في الشريعة على جميع الطاعات واجتناب المعاصي إذا قصد بكل ذلك من عمل أو ترك وجه الله عز وجل وإن الإسلام أصله في اللغة التبرؤ تقول أسلمت أمر كذا إلى فلان إذا تبرأت منه إليه فسمي المسلم مسلماً لأنه تبرأ من كل شيء إلى الله عز وجل ثم نقل الله تعالى اسم الإسلام أيضاً إلى جميع الطاعات وأيضاً فإن التبرؤ إلى الله من كل شيء هو معنى التصديق فإنه لا يبرأ إلا الله تعالى من كل شيء حتى يصدق به فإذا أريد بالإسلام المعنى الذي هو خلاف الكفر خلاف الفسق فهو والإيمان شيء واحد كما قال تعالى: " قال أبو محمد: واختلف الناس في قول المسلم أنا مؤمن فروينا عن ابن مسعود وجماعة من أصحابه الأفاضل ومن بعده من الفقهاء أنه كره ذلك وكان يقول أنا مؤمن إن شاء الله وقال بعضهم آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله وكانوا يقولون من قال أنا مؤمن فليقل إنه من أهل الجنة. قال أبو محمد: فهذا ابن مسعود وأصحابه حجج في اللغة فإن جهال المرجئة الموهومون في نصر بدعتهم. قال أبو محمد: والقول عندنا في هذه المسألة أن هذه صفة يعلمها المرء من نفسه فإن كان يدري أنه مصدق بالله عز وجل وبمحمد صلى الله عليه وسلم وبكل ما أتى به عليه السلام وأنه يقر بلسانه بكل ذلك فواجب عليه أن يعترف بذلك كما أمر تعالى إذ قال تعالى: " قال أبو محمد: اختلف الناس في تسمية المذنب من أهل ملتنا فقالت المرجئة هو مؤمن كامل الإيمان وإن لم يعمل خيراً قط ولا كف عن شر قط وقال بكر بن أخت عبد الواحد بن زيد هو كافر مشرك كعابد الوثن بأي ذنب كان منه صغيراً أو كبيراً ولو فعله على سبيل المزاح وقالت الصغرية إن كان الذنب من الكباير فهو مشرك كعابد الوثن وإن كان الذنب صغيراً فليس كافراً وقالت الأباضية إن كان الذنب من الكبائر فهو كافر نعمة تحل موارثته ومناكحته وأكل ذبيحته وليس مؤمناً ولا كافراً على الإطلاق وروي عن الحسن البصري وقتادة رضي الله عنهما أن صاحب الكبيرة منافق وقالت المعتزلة إن كان الذنب من الكبائر فهو فاسق ليس مؤمناً ولا كافراً ولا منافقاً وأجازوا مناكحته وموارثته وأكل ذبيحته قالوا وإن كان من الصغاير فهو مؤمن لا شيء عليه فيها وذهب أهل السنة من أصحاب الحديث والفقهاء إلى أنه مؤمن فاسق ناقص الإيمان وقالوا الإيمان اسم معتقده وإقراره وعمله الصالح والفسق اسم عمله السيء إلا أن بين السلف منهم والخلف اختلافاً في تارك الصلاة عمداً حتى يخرج وقتها وتارك الصوم لو مضى كذلك وتارك الزكاة وتارك الحج كذلك وفي قاتل المسلم عمداً وفي شارب الخمر وفيمن سب نبياً من الأنبياء عليهم السلام وفيمن رد حديثاً قد صح عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم فروينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومعاذ بن جبل وابن مسعود وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم وعن ابن المبارك وأحمد بن حنبل واسحق ابن راهوية رحمة الله عليهم وعن تمام سبعة عشرة رجلاً من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أن من ترك صلاة فرض عامداً ذاكراً حتى يخرج وقتها فإنه كافر مرتد وبهذا يقول عبد الله ابن الماجشون صاحب مالك وبه يقول عبد الملك بن حبيب الأندلسي وغيره وروينا عن عمر رضي الله عنه مثل ذلك في تارك الحج وعن ابن عباس وغيره مثل ذلك في تارك الزكاة والصيام وفي قاتل المسلم عمداً وعن أبي موسى الأشعري وعبد الله بن عمرو بن العاص في شارب الخمر وعن اسحق بن راهوية أن من رد حديثاً صحيحاً عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد كفر. قال أبو محمد: واحتج من كفر المذنبين بقول الله عز وجل: " قال أبو محمد: والعجب أن المرجئة المسقطة للوعيد جملة عن المسلمين قد احتجوا بهذه الآية نفسها فقالوا قد أخبرنا أن الله عز وجل أن النار لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى فصح أن من لم يكذب ولا تولى لا يصلاها قالوا ووجدنا هؤلاء كلهم لم يكذبوا ولا تولوا بل هم مصدقون معترفون بالإيمان فصح أنهم لا يصلونها وأن المراد بالوعيد المذكور في الآيات المنصوصة إنما هو فعل تلك الأفاعيل من الكفار خاصة. قال أبو محمد: واحتج أيضاً من كفر من ذكرنا بأحاديث كثيرة منها سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا ينهب نهبة ذات شرو حين ينهبها وهو مؤمن وترك الصلاة شرك وإن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم ومثل هذا كثير. قال أبو محمد: وما نعلم لمن قال هو منافق حجة أصلاً ولا لمن قال أنه كافر نعمة إلا أنهم نزعوا بقول الله عز وجل: " قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه لأن كفر النعمة عمل يقع من المؤمن والكافر وليس هو ملة ولا اسم دين فمن ادعى اسم دين وملة غير الإيمان المطلق والكفر المطلق فقد أتى بما لا دليل عليه وأما من قال هو فاسق لا مؤمن ولا كافر فما لهم حجة أصلاً إلا أنهم قالوا قد صح الإجماع على انه فاسق لأن الخوارج قالوا هو كافر فاسق وقال غيرهم هو مؤمن فاسق فاتفقوا قال أبو محمد: وهذا خلاف لإجماع من ذكر لأنه ليس منهم أحد جعل الفسق اسم دينه وإنما سموا بذلك عملهم والإجماع والنصوص قد صح كل ذلك على أنه لا دين إلا الإسلام أو الكفر من خرج من أحدهما دخل في الآخر ولا بد إذ ليس بينهما وسيطة وكذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم " وهذا حديث قد أطبق جميع الفرق المنتمية إلى الإسلام على صحته وعلى القول به فلم يجعل عليه السلام ديناً غير الكفر والإسلام ولم يجعل هاهنا ديناً ثالثاً أصلاً. قال أبو محمد: واحتجت المعتزلة أيضاً بأن قالت قال الله تعالى: " قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه لأن الله تعالى قال: " قال أبو محمد: وهذا الذي أنكروه لا نكرة فيه بل هو أمر موجود مشاهد فمن أحسن من وجه وأساء من وجه آخر كمن صلى ثم زنى فهو محسن محمود ولي لله فيما أحسن فيه من صلاة وهو مسيء مذموم عدو لله فيما أساء فيه من الزنا قال عز وجل: " قال أبو محمد: وهذا ما لا مخلص للمعتزلة منه ولا للمرجئة أيضاً فوضح بهذا أن كلا الطائفتين مخطئة وأن الحق هو جمع كل ما تعلقت به كلتا الطائفتين من النصوص التي في القرآن والسنن ويكفر من هذا كله قول الله عز وجل: " قال أبو محمد: نعم وقد أوضحنا أن الإيمان هو كل عمل صالح فبيقين ندري أن الفسق ليس إيماناً فمن فسق فلم يؤمن بذلك العمل الذي هو الفسق ولم يقل عز وجل أنه لا يؤمن في شيء من سائر أعماله وقد قال تعالى: " قال أبو محمد: وقالوا قد وجب لعن الفساق والظالمين وقال تعالى: " قال أبو محمد: فنقول أن المؤمن الفاسق يتولى دينه وملته وعقده وإقراره ويتبرأ من عمله الذي هو الفسق والبراءة والولاية ليست من عين الإنسان مجردة فقط وإنما هي له أو منه بعمله الصالح أو الفاسد فإذ ذلك كذلك فبيقين ندري أن المحسن في بعض أفعاله من المؤمنين نتولاه من أجل ما أحسن فيه ونبرأ من عمله السيء فقط وأما الله تعالى فإنه يتولى عمله الصالح عنده ويعادي عمله الفاسد وأما الدعاء باللعنة والرحمة معاً فلسنا ننكره بل هو معنى صحيح وما جاء عن الله قط ولا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهي أن يلعن العاصي على معصيته ويترحم عليه لإحسانه ولو أن امرأ زنى أو سرق وحال الحول على ماله وجاهد لوجب أن يحد للزنا والسرقة ولو لعن لأحسن لاعنه ويعطي نصيبه من المغنم ونقبض زكاة ماله ونصلي عليه عند ذلك لقول الله: " قال أبو محمد: ونعكس عليهم هذا السؤال نفسه في أصحاب الصغاير الذين يوقع عليهم المعتزلة اسم الإيمان فهذه السؤالات كلها لازمة لهم إذ الصغاير ذنوب ومعاص بلا شك إلا أننا لا نوقع عليها اسم فسق ولا ظلم إذا انفردت عن الكباير لأن الله تعالى ضمن غفرانها لمن اجتنب الكباير ومن غفر له ذنبه فمن المحال أن يوقع عليه اسم فاسق أو اسم ظالم لأن هذين اسمان يسقطان قبول الشهادة ومجتنب الكباير وإن تستر بالصغاير فشهادته مقبولة لأنه لا ذنب له وبالله تعالى التوفيق. قال أبو محمد: ولنا على المعتزلة الزامات أيضاً تعمهم والخوارج المكفرة ننبه عليها عند نقضنا أقوال المكفرة إن شاء الله تعالى وبه نتأيد. قال أبو محمد: ويقال لمن قال أن صاحب الكبيرة كافر قال الله عز وجل: " قال أبو محمد: وقال بعضهم أن هذا الاقتتال إنما هو التضارب. قال أبو محمد: وهذا خطأ فاحش لوجهين أحدهما أنه دعوى بلا برهان وتخصيص الآية بلا دليل وما كان هكذا فهو باطل بلا شك والثاني أن ضرب المسلم للمسلم ظلماً وبغياً فسق ومعصية ووجه ثالث وهو أن الله تعالى لو لم يرد القتال المعهود لما أمرنا بقتال من لا يزيد على الملاطمة وقد عم تعالى فيها باسم البغي فكل بغي فهو داخل تحت هذا الحكم. قال أبو محمد: وقد ذكروا قول الله عز وجل: " قال أبو محمد: فهذه الآية بظاهرها دون تأويل حجة لنا عليهم لأنه ليس فيها أن القاتل العامل ليس مؤمناً وإنما فيها نهي المؤمن عن قتل المؤمن عمداً فقط لأنه تعالى قال: " قال أبو محمد: وأكثر هذه الأمور التي ذكرنا فإنه لا خلاف بين أحد من أهل الإسلام فيها ولا بين فرقة من الفرق المنتمية إلى الإسلام وفي بعضها خلاف نشير إليه لئلا يظن ظان أننا أغفلناه فمن ذلك الخلاف في الزاني والزانية فإن علي بن أبي طالب رضي الله عنه يفسخ النكاح قبل الدخول بوقوعه من أحدهما والحسن البصري وغيره من السلف لا يجيزون للزاني ابتداء النكاح مع مسلمة البتة ولا للزانية أيضاً إلا أن يتوبا وبهذا نقول نحن ليس لأنهما ليسا مسلمين بل هما مسلمان ولكنها شريعة من الله تعالى واردة في القرآن في ذلك كما يحرم على المحرم النكاح مادام محرماً وبالله تعالى التوفيق وذلك قوله تعالى: " قال أبو محمد: وفي هذه الآية أيضاً نص جلي على أن الزاني والزانية ليسا مشركين لأن الله تعالى فرق بينهما فرقاً لا يحتمل البتة أن يكون على سبيل التأكيد بل على أنهما صفتان مختلفان وإذا لم يكونا مشركين فهما ضرورة مسلمان بما قد بينا قبل من أن كل كافر فهو مشرك وكل مشرك فهو كافر ومن لم يكن كافراً مشركاً فهو مؤمن إذ لا سبيل إلى دين ثالث وبالله تعالى التوفيق ومن الخلاف في بعض ما ذكرنا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وإبراهيم النخعي أن المسلم إذا ارتد والمسلمة إذا لم يسلم زوجها فهي امرأته كما كانت إلا أنه لا يطؤها وروي عن عمر أيضاً أنها تخير في البقاء معه أو فراقه وكل هذا لا حجة فيه ولا حجة إلا في نص قرآن أو سنة واردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أبو محمد: وأيضاً فإن الله عز وجل قد أمر بقتل المشركين ولم يستثن منهم أحداً إلا كتابياً يغرم الجزية مع الصغار أو رسولاً حتى يؤدي رسالته ويرجع إلى مأمنه أو مستجيراً ليسمع كلام الله تعالى ثم يبلغ إلى مأمنه وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل من بدل دينه فنسأل كل من قال بأن صاحب الكبيرة قد خرج من الإيمان وبطل إسلامه وصار في دين آخر إما الكفر وإما الفسق إذا كان الزاني والقاتل والسارق والشارب للخمر والقاذف والفار من الزحف وآكل مال اليتيم قد خرج عن الإسلام وترك دينه أيقتلونه كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله أم لا يقتلونه فيخالفون الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ومن قولهم كلهم خوارجهم ومعتزليهم أنهم لا يقتلونه وأما في بعض ذلك حدود معروفة من قطع يد أو جلد مائة أو ثمانين وفي بعض ذلك أدب فقط وأنه لا يحل الدم بشيء من ذلك وهذا انقطاع ظاهر وبطلان لقولهم لا خفاء به. قال أبو محمد: وبعض شاذة الخوارج جسر فقال تقام الحدود عليهم ثم يستتابون فيقتلون. قال أبو محمد: وهذا خلاف الإجماع المتيقن وخلاف للقرآن مجرد لأن الله تعالى يقول: " قال أبو محمد: وقال الله عز وجل: " قال أبو محمد: لا خلاف بيننا وبينهم ولا بين أحد من الأمة في أن من كفر بالطاغوت وآمن بالله واستمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها فإنه مؤمن مسلم فلو كان الفاسق غير مؤمن لكان كافراً ولا بد ولو كان كافراً لكان مرتداً يجب قتله وبالله تعالى التوفيق قال الله عز وجل: " قال أبو محمد: وهذا لا خلاف فيه من أحد إلا أن الجبائي المعتزلي ومحمد بن الطيب الباقلاني ذهبا من بين جميع الأمة إلى إن كانت له ذنوب فإنه لا تقبل له توبة من شيء منها حتى يتوب من الجميع واتبعهما على ذلك قوم وقد ناظرنا بعضهم في ذلك وألزمناهم أن يوجبوا على كل من أذنب ذنباً واحداً أن يترك الصلاة الفرض والزكاة وصوم رمضان والجمعة والحج والجهاد لأن إقامة كل ذلك توبة إلى الله من تركها فإذا كانت توبته لا تقبل من شيء حتى يتوب من كل ذنب له فإنه لا يقبل له توبة من ترك صلاة ولا من ترك صوم ولا من ترك زكاة إلا حتى يتوب من كل ذنب له وهذا خلاف لجميع الأمة إن قالوه أو تناقض إن لم يقولوه مع أنه قول لا دليل لهم على تصحيحه أصلاً وما كان هكذا فهو باطل قال الله تعالى: " قال أبو محمد: فإن ذكروا قول الله تعالى: " قال أبو محمد: ففي إجماع الأمة كلها دون مختلف من أحد منهم على أن صاحب الكبيرة مأمور بالصلاة مع المسلمين وبصوم شهر رمضان والحج وبأخذ زكاة ماله وإباحة مناكحته وموارثته وأكل ذبيحته وبتركه يتزوج المرأة المسلمة الفاضلة ويبتاع الأمة المسلمة الفاضلة ويطأها وتحريم دمه وماله وأن لا يؤخذ منه جزية ولا يصغر برهان صحيح على أنه مسلم مؤمن وفي إجماع الأمة كلها دون مخالف على تحريم قبول شهادته وخبره برهان على أنه فاسق فصح يقيناً أنه مؤمن فاسق ناقص الإيمان عن المؤمن الذي ليس بفاسق قال تعالى: " قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه لأن نص الآية مبطل لقولهم لأن الله تعالى يقول متصلاً بقوله: " قال أبو محمد: اختلف الناس في هذا الباب فذهبت طائفة إلى أن من خالفهم في شيء من مسائل الاعتقاد أو في شيء من مسائل الفتيا فهو كافر وذهبت طائفة إلى أنه كافر في بعض ذلك فاسق غير كافر في بعضه على حسب ما أدتهم إليه عقولهم وظنونهم وذهبت طائفة إلى أن من خالفهم في مسائل الاعتقاد فهو كافر وأن من خالفهم في مسائل الأحكام والعبادات فليس كافراً ولا فاسقاً ولكنه مجتهد معذور أن الخطأ مأجور بنيته وقالت طائفة بمثل هذا فيمن خالفهم في مسائل العبادات وقالوا فيمن خالفهم في مسائل الاعتقادات أن كان الخلاف في صفات الله عز وجل فهو كافر وإن كان فيما دون ذلك فهو فاسق وذهبت طائفة إلى أنه لا يكفر ولا يفسق مسلم بقول قاله في اعتقاد أو فتيا وإن كل من اجتهد في شيء من ذلك فدان بما رأى أنه الحق فإنه مأجور على حال إن أصاب الحق فأجران وإن أخطأ فأجر واحد وهذا قول ابن أبي ليلي وأبي حنيفة والشافعي وسفيان الثوري وداود بن علي رضي الله عن جميعهم وهو قول كل من عرفنا له قولاً في هذه المسألة من الصحابة رضي الله عنهم لا نعلم منهم في ذلك خلافاً أصلاً إلا من ذكرنا من اختلافهم في تكفير من ترك صلاة متعمداً حتى خرج وقتها أو ترك أداء الزكاة أو ترك الحج أو ترك صيام رمضان أو شرب الخمر واحتج من كفر بالخلاف في الاعتقادات بأشياء نوردها إن شاء الله عز وجل. قال أبو محمد: ذكروا حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن القدرية والمرجئية مجوس بهذه الأمة وحديثاً آخر تفترق هذه الأمة على بضع وسبعين فرقة حاشا واحدة فهي في الجنة. قال أبو محمد: هذان حديثان لا يصحان أصلاً من طريق الإسناد وما كان هكذا فليس حجة عند من يقول بخبر الواحد فكيف من لا يقول به واحتجوا بالخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قال لأخيه فقد باء بالكفر أحدهما ". قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه لأن لفظه يقتضي أنه يأثم برميه للكفر ولم يقل عليه السلام أنه بذلك كافر. قال أبو محمد: و الجمهور من المحتجين بهذا الخبر لا يكفرون من قال لمسلم يا كافر في مشاتمة تجري بينهما وبهذا خالفوا الخبر الذي احتجوا به. قال أبو محمد: والحق هو أن كل من ثبت له عقد الإسلام فإنه لا يزول عنه إلا بنص أو إجماع وأما بالدعوة والافتراء فلا فوجب أن لا يكفر أحد بقول قاله إلا بأن يخالف ما قد صح عنده أن الله تعالى قاله أو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله فستجيز خلاف الله تعالى وخلاف رسوله عليه الصلاة والسلام وسواء كان ذلك في عقد دين أو في نحلة أو في فتيا وسواء كان ما صح من ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منقولاً نقل إجماع تواتر أو نقل آحاد إلا أن من خالف الإجماع المتقين المقطوع على صحته فهو أظهر في قطع حجته ووجوب تكفيره لا تفاق الجميع على معرفة الإجماع وعلى تكفير مخالفته برهان صحة قولنا قول الله تعالى: " قال أبو محمد: هذه الآية نص بتكفير من فعل ذلك فإن قال قائل أن من اتبع غير سبيل المؤمنين فليس من المؤمنين قلنا له وبالله تعالى التوفيق ليس كل من اتبع غير سبيل المؤمنين كافراً لأن الزنا وشرب الخمر وأكل أموال الناس بالباطل ليست من سبيل المؤمنين وقد علمنا أن من اتبعها فقد اتبع غير سبيل المؤمنين وليس مع ذلك كافراً ولكن البرهان في هذا قول الله عز وجل: " قال أبو محمد: وأما ما لم تقم الحجة على المخالف للحق في أي شيء كان فلا يكون كافراً إلا أن يأتي نص بتكفيره فيوقف عنده كمن بلغه وهو في أقاصي الزنج ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فقط فيمسك عن البحث عن خبره فإنه كافر فإن قال قائل فما تقولون فيمن قال أنا أشهد أن محمداً رسول الله ولا أدري أهو قرشي أم تميمي أم فارسي ولا هل كان بالحجاز أو بخرسان ولا أدري أحي هو أو ميت ولا أدري لعله هذا الرجل الحاضر أم غيره قيل له إن كان جاهلاً لا علم عنده بشيء من الأخبار والسير لم يضره ذلك شيئاً ووجب تعليمه ووجب تعليمه فإذا علم وصح عنده الحق فإن عاند فهو كافر حلال دمه وماله محكوم عليه حكم المرتد وقد علمنا أن كثيراً ممن يتعاطى الفتيا في دين الله عز وجل نعم وكثيراً من الصالحين لا يدري كم لموت النبي صلى الله عليه وسلم ولا أين كان ولا في أي بلد كان ويكفيه من كل ذلك إقراره بقلبه ولسانه أن رجلاً اسمه محمد أرسله الله تعالى إلينا بهذا الدين. قال أبو محمد: وكذلك من قال أن ربه جسم فإنه إن كان جاهلاً أو متأولاً فهو معذور لا شيء عليه ويجب تعليمه فإذا قامت الحجة عليه من القرآن والسنن فخالف ما فيهما عناداً فهو كافر يحكم عليه بحكم المرتد وأم من قال أن الله عز وجل هو فلان لإنسان بعينه أو أن الله تعالى يحل في جسم من أجسام خلقه أو أن بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبياً غير عيسى بن مريم فإنه لا يختلف اثنان في تكفيره لصحة قيام الحجة بكل هذا على كل أحد ولو أمكن أن قال أبو محمد: وأما من كفر الناس بما تؤول إليه أقوالهم فخطأ لأنه كذب على الخصم وتقويل له ما لم يقل به وإن لزمه فلم يحصل على غير التناقض فقط والتناقض ليس كفراً بل قد أحسن إذا فر من الكفر وأيضاً فإنه ليس للناس قول إلا ومخالف ذلك القول يلزم خصمه الكفر في فساد قوله وطرده فالمعتزلة تنسب إلينا تجوير الله عز وجل وتشبيهه بخلقه ونحن ننسب إليهم مثل ذلك سواء بسواء ونلزمهم أيضاً تعجيز الله عز وجل وأنهم يزعمون أنهم يخلقون كخلقه وأن له شركاء في الخلق وأنهم مستغنون عن الله عز وجل ومن أثبت الصفات يسمي من نفاها باقية لأنهم قالوا تعبدون غير الله تعالى لأن الله تعالى له صفات وأنتم تعبدون من لا صفة له ومن نفى الصفات يقول لمن أثبتها أنتم تجعلون مع الله عز وجل لم تزل وتشركون به غيره وتعبدون غير الله لأن الله تعالى لا أحد معه ولا شيء معه في الأزل وأنتم تعبدون شيئاً من جملة أشياء لم تزل وهكذا في كل ما اختلف فيه حتى في الكون والجزء وحتى في مسائل الأحكام والعبادات فأصحاب القياس يدعون علينا خلاف الإجماع وأصحابنا يثبتون عليهم خلاف الإجماع وإحداث شرائع لم يأذن الله عز وجل بها وكل فرقة فهي تنتفي بما تسميها به الأخرى وتكفر من قال شيئاً من ذلك فصح أنه لا يكفر أحد إلا بنفس قوله ونص معتقده ولا ينتفع أحد بأن يعبر عن معتقده بلفظ يحسن به قبحه لكن المحكوم به هو مقتضى قوله فقط وأما الأحاديث الواردة في أن ترك الصلاة شرك فلا تصح من طريق الإسناد وأما الأخبار التي فيها من قال لا إله إلا الله دخل الجنة فقد جاءت أحاديث أخر بزيادة على هذا الخبر لا يجوز ترك تلك الزيادة وهي قوله عليه السلام: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله " وأني رسول الله ويؤمنوا بما أرسلت به فهذا هو الذي لا إيمان لأحد بدونه. قال أبو محمد: واحتج بعض من يكفر من سب الصحابة رضي الله عنهم بقول الله عز وجل: " قال أبو محمد: وقد أخطأ من حمل الآية على هذا لأن الله عز وجل لم يقل قط أن كل من غاظه واحد منهم فهو كافر وإنما أخبر تعالى أنه يغيظ بهم الكفار فقط ونعم هذا حق لا ينكره مسلم وكل مسلم فهو يغيظ الكفار وأيضاً فإنه لا يشك أحد ذو حس سليم في أن علياً قد غاظ معاوية وأن معاوية وعمرو بن العاص غاظا علياً وأن عماراً غاظ أبا العادية وكلهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد غاظ بعضهم بعضاً فيلزم على هذا تكفير من ذكرنا وحاشا لله من هذا. قال أبو محمد: ونقول لمن كفر إنساناً بنفس مقالته دون أن تقوم عليه الحجة فيعاند رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجد في نفسه الحرج مما أتى به أخبرنا هل ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من الإسلام الذي يكفر من لم يقل به إلا وقد بينه ودعا إليه الناس كافة فلا بد من نعم ومن أنكر هذا فهو كافر بلا خلاف فإذا أقر بذلك سئل هل جاء قط عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يقبل إيمان أهل قرية أو أهل محلة أو إنسان أتاه من حر أو عبداً أو امرأة إلا حتى يقران الاستطاعة قبل الفعل أو مع الفعل أو أن القرآن مخلوق أو أن الله تعالى يرى أو لا يرى أو أن له سمعاً وبصراً وحياة أو غير ذلك من فضول المتكلمين التي أوقعها الشيطان بينهم ليوقع بينهم العداوة والبغضاء فإن ادعى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدع أحداً يسلم إلا حتى يوقفه على هذه المعاني كان قد كذب بإجماع المسلمين من أهل الأرض وقال ما يدري أنه فيه كاذب وادعى أن جميع الصحابة رضي الله عنهم تواطئوا على كتمان ذلك من فعله عليه السلام وهذا محال ممتنع في الطبيعة ثم فيه نسبة الكفر إليهم إذ كتموا ما لا يتم إسلام أحد إلا به وإن قالوا أنه صلى الله عليه وسلم لم يدع قط أحداً إلى شيء من هذا ولكنه مودع في القرآن وفي كلامه صلى الله عليه وسلم قيل له صدقت وقد صح بهذا أنه لو كان جهل شيء من هذا كله كفراً لما ضيع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيان ذلك للحر والعبد والحرة والأمة ومن جوز هذا فقد قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبلغ كما أمر وهذا كفر مجرد ممن أجازه فصح ضرورة أن الجهل بكل ذلك لا يضر شيئاً وإنما يلزم الكلام منها إذا خاض فيها الناس فيلزم حينئذ بيان الحق من القرآن والسنة لقول الله عز وجل: " قال أبو محمد: فهذا إنسان جهل إلى أن مات أن الله عز وجل يقدر على جمع رماده وإحيائه وقد غفر له لإقراره وخوفه وجهله وقد قال بعض من يحرف الكلم عن مواضعه أن معنى لئن قدر الله علي إنما هو لئن ضيق الله علي كما قال تعالى: " قال أبو محمد: وهذا تأويل باطل لا يمكن لأنه كان يكون معناه حينئذ لئن ضيق الله علي ليضيقن علي وأيضاً فلو كان هذا لما كان لأمره بأن يحرق ويذر رماده معنى ولا شك في أنه إنما قال أبو محمد: وأبين شيء من هذا قول الله تعالى: " قال أبو محمد: وبرهان ضروري لا خلاف فيه وهو أن الأمة مجمعة كلها بلا خلاف من أحد منهم وهو أن كل من بدل آية من القرآن عامداً وهو يدري أنها في المصاحف بخلاف ذلك وأسقط كلمة عمداً كذلك أو زاد فيها كلمة عامداً فإنه كافر بإجماع الأمة كلها ثم أن المرء يخطئ في التلاوة فيزيد كلمة وينقص أخرى ويبدل كلامه جاهلاً مقدراً أنه مصيب ويكابر في ذلك ويناظر قبل أن يتبين له الحق ولا يكون بذلك عند أحد من الأمة كافراً ولا فاسقاً ولا آثماً فإذا وقف على المصاحف أو أخبره بذلك من القراء من تقوم الحجة بخبره فإن تمادى على خطاه فهو عند الأمة كلها كافر بذلك لا محالة وهذا هو الحكم الجاري في جميع الديانة. قال أبو محمد: واحتج بعضهم بأن قال الله تعالى: " قال أبو محمد: وآخر هذه الآية مبطل لتأويلهم لأن الله عز وجل وصل قوله يحسنون صنعاً بقوله: " قال أبو محمد: وقد شقق أصحاب الكلام فقالوا ما تقولون فيمن قال له النبي صلى الله عليه وسلم قم صل فقال لا أفعل أو قال له النبي صلى الله عليه وسلم ناولني ذلك السيف أدفع به عن نفسي فقال له لا أفعل. قال أبو محمد: وهذا أمر قد كفوا وقوعه ولا فضول أعظم من فضول من اشتغل بشيء قد أيقن أنه لا يكون أبداً ولكن الذي كان ووقع فإننا نتكلم فيه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. قال أبو محمد: قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أفضل أهل الأرض وهم أهل الحديبية بأن يحلقوا وينحروا فتوقفوا حتى أمرهم ثلاثاً وغضب عليه السلام وشكا ذلك إلى أم سلمة فما كفروا بذلك ولكن كانت معصية تداركهم الله بالتوبة منها وما قال مسلم قط أنهم كفروا بذلك لأنهم لم يعاندوه ولا كذبوه وقد قال سعد بن عبادة والله يا رسول الله لئن وجدت لكاع يتفخذها رجل ادعهما حتى آتى بأربعة شهداء قال نعم قال إذاً والله يقضي إربه والله لا تجللنهما بالسيف فلم يكن بذلك كافراً إذ لم يكن عانداً ولا مكذباً بل أقر أنه يدري أن الله تعالى أمر بخلاف ذلك وسألوا أيضاً عمن قال أنا أدري أن الحج إلى مكة فرض ولكن لا أدري أهي بالحجاز أم بخراسان أم بالأندلس وأنا أدري أن الخنزير حرام ولكن لا أدري أهو هذا الموصوف الأقرن أم الذي يحرث به. قال أبو محمد: وجوابنا هو أن من قال هذا فإن كان جاهلاً علم ولا شيء عليه فإن المشببين لا يعرفون هذا إذا أسلموا حتى يعلموا وإن كان عالماً فهو عابث مستهزئ بآيات الله تعالى فهو كافر مرتد حلال الدم والمال ومن قذف عائشة رضي الله عنها فهو كافر لتكذيبه القرآن وقد قذفها مسطح وحمنة فلم يكفرا لأنهما لم يكونا حينئذ مكذبين لله تعالى ولو قذفاها بعد نزول الآية لكفر وأم ما سب أحد من الصحابة رضي الله عنهم فإن كان جاهلاً فمعذور وإن قامت عليه الحجة فتمادى غير معاند فهو فاسق كمن زنى وسرق وإن عاند الله تعالى في ذلك ورسوله صلى الله عليه وسلم فهو كافر وقد قال عمر رضي الله عنه بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم عن حاطب وحاطب مهاجر بدرى دعني أضرب عنق هذا المنافق فما كان عمر بتكفيره حاطباً كافراً بل كان مخطئاً متأولاً وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم آية النفاق بغض قال أبو محمد: ومن أبغض الأنصار لأجل نصرتهم للنبي صلى الله عليه وسلم فهو كافر لأنه وجد الحرج في نفسه مما قد قضى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم من إظهار الإيمان بأيديهم ومن عاد علياً لمثل ذلك فهو أيضاً كافر وكذلك من عادى من ينصر الإسلام لأجل نصرة الإسلام لا لغير ذلك وقد فرق بعضهم في الاختلاف في الفتيا والاختلاف في الاعتقاد بأن قال قد اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتيا فلم يكفر بعضهم بعضاً ولا فسق بعضهم بعضاً. قال أبو محمد: وهذا ليس بشيء فقد حدث إنكار القدر في أيامهم فما كفرهم أكثر الصحابة رضي الله عنهم وقد اختلفوا في الفتيا واقتتلوا على ذلك وسفكت الدماء كاختلافهم في تقديم بيعة علي على النظر في قتلة عثمان رضي الله عنهم وقد قال ابن عباس رضي الله عنه: من شاء بأهلته عند الحجر الأسود أن الذي أحصى رمل عالج لم يجعل في فريضة واحدة نصفاً ونصفاً وثلثاً. قال أبو محمد: وهنا أقوال غريبة جداً فاسدة منها أن أقواماً من الخوارج قالوا كل معصية فيها حد فليست كفراً وكل معصية لا حد فيها فهي كفر. قال أبو محمد: وهذا تحكم بلا برهان ودعوى بلا دليل وما كان هكذا فهو باطل قال تعالى: " قال أبو محمد: فصح بما قلنا أن كل من كان على غير الإسلام وقد بلغه أمر الإسلام فهو كافر ومن تأول من أهل الإسلام فأخطأ فإن كان لم تقم عليه الحجة ولا تبين له الحق فهو معذور مأجور آجراً واحداً لطلبه الحق وقصده إليه مغفور له خطؤه إذ لم يعتمده لقول الله تعالى: " قال أبو محمد: ونحن نختصرها هنا أن شاء الله تعالى ونوضح كل ما أطلنا فيه قال تعالى: "
|